للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن تلك دامت أيّامًا، وهذه لم تكن إلا ليلتين أو ثلاثًا، فاختلطا على بعض الرواة (١)!

والوحي ولقاء جبريل والاتصال بالله، زاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مشقّة الطريق، وسقياه في هجير الجحود، وروْحه في لأواء التكذيب، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحيا بها في هذه الهاجرة المحرقة التي يعانيها في النفوس النافرة الشاردة العصيّة العنيدة، ويعانيها في المكر والكيد والأذى المصبوب على الدعوة، وعلى الإيمان، وعلى الهُدى من طغاة المشركين!

فلما فتر الوحي انقطع الزاد، وانحبس عنه الينبوع، واستوحش قلبه من الحبيب، وبقي للهاجرة وحده بلا زاد، وبلا ريّ!

وقد نزل هذا الفيض من الودّ والحبّ والرحمة، والإيناس والقربى، والأمل والرضى، والطمأنينة واليقين!

ويطالعنا القسم على إنعام الله تعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - (٢)، وإكرامه له، وإعطائه ما يرضيه، وذلك متضمّن لتصديقه له، فهو قسم على صحة نبوّته، وعلى جزائه في الآخرة، قسم على النبوّة والمعاد!

وقد أقسم الله تعالى بآيتين عظيمتين من آياته، دالّتين على ربوبيّته وحكمته ورحمته، وهما: الليل والنهار، فتأمّل مطابقة هذا القسم، وهو نور الضحى الذي يوافي بعد ظلام الليل للمقسم عليه، وهو نور الوحي الذي وافاه بعد احتباسه عنه، حتى قال أعداؤه: ودع محمدًا ربُّه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الضحى ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه!


(١) انظر: فتح الباري: ٨: ٧١٠، ١٢: ٣٥٩ وما بعدها.
(٢) بدائع التفسير: ٥: ٢٥٥ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>