في صخور الصبر، يثبّت الله -عزّ وجل- بمشهدها المستيقنين، ويقذف بها الرعب في أنفس المرتابين، فكانت تسيل لمنظرها نفوس أهل الرّيب، وهي ذوب ما فسد من طباعهم، فتجري من مناحرهم مجرى الدم الفاسد من المفصود، على أيدي الأطباء الحاذقين: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٦)} (الأنفال)!
تألّبت الملل المختلفة ممن كان يسكن جزيرة العرب وما جاورها على (الدّين القيّم)، دين الأمّة الوسط الخيرة، ليحصدوا نبته، ويخفقوا دعوته، فما زال يدافع عن نفسه، دفاع الضعيف للأقوياء، والفقير للأغنياء، ولا ناصر له، إلا أنه الحق بين الأباطيل، والرشد في ظلمات الأضاليل، حتى ظفر بالعزّة، وتعزّز بالمنعة!
وقد وطئ أرض الجزيرة أقوام من أديان أخر، كانت تدعو إليها، وكانت لهم ملوك وعزّة وسلطان، وحملوا الناس على عقائدهم بأنواع من المكاره، ومع ذلك لم يبلغ بهم السعي نجاحاً، ولا أنالهم فلاحاً!
وضمّ (الدّين القيّم)، دين الأمّة الوسط الخيرة، سكان القفار العربيّة إلى وحدة لم يعرفها تاريخهم، ولم يعهد لها نظير في ماضيهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ رسالته بأمر ربّه إلى من جاور البلاد العربيّة .. فسخروا وامتنعوا، وناصبوه وقومه الشرّ .. فبعث إليهم البعوث في حياته، وجرى على سنته الأئمة من صحابته، طلباً للأمن، وإبلاغاً للدعوة، فاندفعوا في ضعفهم وفقرهم يجعلون الحق على أيديهم، وانهالُوا به على تلك الأمم في قوتها ومنعتها، وكثرة عددها، واستكمال أهبها وعددها، فظفروا منها بما هو