معلوم .. وكانوا متى وضعت الحرب أوزارها، واستقرّ السلطان للفاتح، عطفوا على المغلوبين بالرّفق واللّين، وأباحوا لهم البقاء على أديانهم، وإقامة شعائرها، آمنين مطمئنّين، ونشروا حمايتهم عليهم، يمنعونهم مما يمنعون منه أهلهم وأموالهم!
وشهد العالم بأسره أن (الدّين القيّم)، دين الأمّة الوسط الخيرة، كان يعدّ مجاملة المغلوبين فضلاً وإحساناً، عندما يعدها غيرهم ضعةً وضعفاً .. ورفع الدّين القيم الإتاوات، ورد الأموال المسلوبة إلى أربابها، وانتزع الحقوق من مغتصبيها، ووضع المساواة في الحق عند التقاضي بين المسلم وغير المسلم!
وبلغ أمر المسلمين فيما بعد أن لا يقبل إسلام من داخل فيه إلا بين يدي قاض شرعيّ بإقرار من المسلم الجديد أنه أسلم بلا إكراه ولا رغبة في دنيا!
وحمل المسلمون إلى الناس كتاب الله وشريعته، وألقوا بذلك بين أيديهم، وتركوا الخيار لهم في القبول وعدمه!
وظهر الإِسلام على ما كان من جزيرة العرب، من ضروب العبادات الوثنيّة، وتغلّب على ما كان فيها من رذائل الأخلاق، وقبائح الأعمال .. وظهر أن (الدّين القيّم)، دين الأمّة الوسط الخيّرة، هو الدّين عند الله .. فلم يجد أهل النصفة منهم سبيلاً إلى البقاء على العناد في مجاحدته، فتلقّوه شاكرين، وتركوا ما كان بين قومهم صابرين، وأوقع ذلك من الرّيب في قلوب مقلّديهم ما حرّكهم إلى النظر فيه، فوجدوا لطفاً ورحمةً، وخيرًا ونعمة!
وسطع (الدّين القيّم) على الديار التي بلغها أهله، فلم يكن بين أهل تلك الديار وبينه إلا أن يسمعوا كلام الله ويفقهوه .. وانتشر بسرعة لم يعهد لها نظير في التاريخ!