للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقل في حدوده وفي مجاله الذي يدركه، فلا جدوى من الخبط في التّيه، ومن إنفاق الطاقة فيما لا يملك العقل إدراكه؛ لأنه لا يملك وسائل إدراكه، والروح غيب من غيب الله لا يدركه سواه، وسرّ من أسراره القدسيّة أودعه هذا المخلوق البشري وبعض الخلائق التي لا نعلم حقيقتها!

وعلم الإنسان محدود بالقياس إلى علم الله المطلق، وأسرار هذا الوجود أوسع من أن يحيط بها العقل البشري المحدود! والإنسان لا يدبر هذا الكون، فطاقاته ليست شاملة، إنما وهب منها بقدر محيطه، وبقدر حاجته، ليقوم بالخلافة في الأرض، ويحقّق ما شاء الله أن يحقّقه، في حدود علمه القليل!

ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع، ولكنه وقف حسيراً أمام ذلك السرّ اللطيف {الرُّوح} لا يدري ما هو، ولا كيف جاء، ولا كيف يذهب، ولا أين كان، ولا أين يكون، إلا ما يخبر به العلم الخبير في التنزيل!

وكان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وممن يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كما أسلفنا- وكان قد قدمِ من الحيرة .. ويدَّعي أنه أحسن حديثاً .. ويحدّثهم عن ملوك فارس ورستم وغيرهما .. (١)

قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل الله! (٢)

قال ابن إسحاق (٣): وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول، فيما بلغني: نزل فيه ثمان آيات من القرآن، قول الله عزَّ وجلَّ: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)} (القلم)، (المطففين: ١٣).


(١) انظر السيرة النبوية: ابن هشام: ١: ٣٧٠، والروض الأنف: ٢: ٥٢.
(٢) انظر: السابق.
(٣) السيرة النبوية: ١: ٣٧١ وما بعدها معلقاً، والبيهقي: "الدلائل": ٢: ٢٦٩ - ٢٧٠، وأحمد: الفتح الرباني: ١٨: ١٩٦ - ١٩٧، وانظر: الفتح: ٨: ٤٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>