للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)}! (الفرقان).

فعقولهم المظلمة لا تستسيغ فهم رسول من عند الله، يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى، وإقامة موازين العدل في الأرض، يعيش ببشريّته كما يعيش سائر البشر، يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ليكسب عيشه من كده وعرق جبينه، كما يكسب جميع الشرفاء في أرض الله أرزاقهم وأسباب عيشهم!

وهؤلاء الماديّون الوثنيّون لا يفهمون ما يقولون؛ لأنهم يتناقضون مع أنفسهم، فهم قد عجبوا أن جاءهم رسول يأكل الطعام، وهم أرادوه أن يأكل كما يأكل سائر الناس، ولكن من جنة دانية القطوف، يأكل منها وهو مستلق على ظهره يناغي نجوم الليل، لا يتعب ولا يتحرك، فإن لم تكن جنة فكنز من الذهب ينفق منه ما يشاء، فلا ينفد ولا يبيد!

بلادة عقليّة، وعقليّات بليدة، لا تعرف من الحياة إلا الأكل والطعام والشراب، وحتى هذا الذي تعرفه وتعيش عليه وله لا تريده إلا عسلاً يقطر في أفواههم وهم نائمون، فهم كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢)} (محمَّد). وكما قال عز شأنه: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)} (الأعراف).

ومن غلوّ هؤلاء الماديّين الوثنيين، وإغراقهم في الطيش والسفه الجهول، وطمس بصائرهم عن معرفة جلال الله وقدرته حق قدره تجاوزهم في تعنتهم كل حد بطلبهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بالله تعالى تحيط به الملائكة

<<  <  ج: ص:  >  >>