للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مذهب التأويل وتارة تختار مذهب التفويض، والواجب على المؤمن الثبات على الحق وعدم التحول عنه، وما ذكرته عن السلف من تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} (١) بالعلم ليس بتأويل ولكنه هو معنى آيات المعية عند أهل السنة والجماعة. كما حكى الإمام أبو عمر بن عبد البر وأبو عمر الطلمنكي إجماع أهل السنة على ذلك، وذلك لأن النصوص من الكتاب والسنة الدالة على علوه وفوقيته وتنزيهه سبحانه عن الحلول والاتحاد تقتضي ذلك، ومن تأمل الآيات الواردة في ذلك علم أنها تدل على أن المراد بالمعية العلم بأحوال عباده واطلاعه على شئونهم مع دلالة المعية الخاصة على كلاءته ورعايته وحفظه ونصره لأنبيائه وأوليائه. مع علمه واطلاعه على أحوالهم، والعرب الذين نزل عليهم الكتاب وجاءت السنة بلغتهم يعلمون ذلك ولا يشتبه عليهم، ولهذا لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن معاني هذه الآيات لظهورها لهم، أما النصوص الأخرى فلا تحتاج إلى تأويل لأن المعنى فيها ظاهر مثل قوله سبحانه: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (٢) و {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (٣) و {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} (٤) فلا يدور بخلد أحد أن السفينة تجري بعين الله ولا أن محمدا عليه الصلاة والسلام في عين الله وإنما المراد بذلك أن السفينة تجري برعاية الله وعنايته وتسخيره لها وحفظه لها، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم تحت رعاية مولاه وعنايته وحفظه وكلاءته، وهكذا قوله في حق موسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (٥) أي تحت رعايتي وحفظي وهكذا حديث: «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به (٦) » يفسره قوله في


(١) سورة الحديد الآية ٤
(٢) سورة القمر الآية ١٤
(٣) سورة طه الآية ٣٩
(٤) سورة الطور الآية ٤٨
(٥) سورة طه الآية ٣٩
(٦) صحيح البخاري الرقاق (٦٥٠٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>