والصحيح أنهما حكمان يعملان ما يريانه أصلح من جمع أو تفريق بدون إذن الزوجين، وليسا وكيلين لهما؛ لأن الله سماهما حكمين ولم يسمها وكيلين، ولأن المقصود حل النزاع بينهما ولا يحصل ذلك إلا بكونهما حكمين، كما لا يخفى عند التأمل؛ فإن توقف الحكمان اجتهد الحاكم بتأجيل الموضوع بعض الوقت أو المبادرة بالتفريق بينهما بما يرى من العوض أو عدمه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لامرأة ثابت بن قيس: «أتردين عليه حديقته. قالت: نعم. فقال -صلى الله عليه وسلم- لثابت: " اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة (١) » . رواه البخاري في صحيحه، ولم يخيره النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الطلاق وعدمه، بل أمره بالطلاق أمرا مطلقا، والأصل في الأمر الوجوب، ومن قال بخلافه فعليه الدليل، وليس هناك دليل يصرفه عن ظاهره فيما نعلم.
أما أن تحبس المرأة سنين طويلة بدون نفقة وتحرم من الاستمتاع بمباهج الحياة؛ لكونها سئمت من عشرة زوجها، فهذا فيه مفاسد كثيرة وضرر عليها وعلى الزوج، والزوج له حق محدود، وهي كذلك لها حق مثله، فلو كرهها زوجها وألزم بمعاشرتها، فهل يرضى ذلك؟ لا أظنه يرضى، والعدل في الحقوق واجب على الحاكم
(١) أخرجه البخاري في (كتاب الطلاق) برقم (٤٨٦٧) والنسائي في (كتاب الطلاق) برقم (٣٤٠٩) .