للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه تأخير عند العجز إلى زمن القدرة وشرعية تعاطي أسباب العفة حتى لا يقع في الحرام وأما الاحتجاج بأحاديث العزل على تحديد النسل فهو من جنس ما قبله بعيد عن الصواب مخالف لمقاصد الشرع؛ لأن العزل هو إراقة المني خارج الفرج لئلا تحمل المرأة وهذا إنما يفعله الإنسان عند الحاجة إليه مثل كون المرأة مريضة أو مرضعة فيخشى أن يضرها الحمل أو يضر طفلها فيعزل لهذا الغرض، أو نحوه من الأغراض المعقولة الشرعية إلى وقت ما، ثم يترك ذلك وليس في هذا قطع للحمل ولا تحديد للنسل وإنما فيه تعاطي بعض الأسباب المؤخرة للحمل لغرض شرعي، وهذا لا محذور فيه في أصح الأقوال عند العلماء كما دلت عليه أحاديث العزل ثم إن العزل لا يلزم منه عدم الحمل فقد يسبقه المني أو بعضه فتحمل المرأة بإذن الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث الواردة في العزل: «ليس من نفس مخلوقة إلا الله خلقها (١) » ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس من كل الماء يكون الحمل (٢) » فأي حجة في أحاديث العزل على تحديد النسل لمن تأمل المقام وأعطاه حقه من النظر وتجرد عن العوامل الأخرى نسأل الله لنا ولفضيلة المفتي العام في الأردن ولسائر إخواننا التوفيق لإصابة الحق والعافية من خطأ الفهم إنه خير مسئول.

ومن تأمل ما ذكرناه، وما نقلناه عن أهل العلم يعلم أن القول بإباحة تحديد النسل قول مخالف للشريعة الكاملة التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها ومخالف للفطرة السليمة فإن الله سبحانه فطر العباد علي محبة الأولاد وبذل الأسباب في تكثير النسل وقد امتن الله بذلك في كتابه وجعله من زينة الدنيا.

فقال تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (٣)


(١) صحيح البخاري المغازي (٤١٣٨) ، صحيح مسلم النكاح (١٤٣٨) ، سنن أبو داود النكاح (٢١٧٠) ، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٢٦) ، موطأ مالك الطلاق (١٢٦٢) .
(٢) صحيح مسلم كتاب النكاح (١٤٣٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٤٩) .
(٣) سورة النحل الآية ٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>