للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ الأقوال وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد به الشهادة وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: أن السماع فسق والتلذذ به كفر، هذا لفظهم، ورووا في ذلك حديثا لا يصح رفعه قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره.

وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف والملاهي: أدخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض، قالوا ويتقدم إليه الإمام إذا سمع ذلك من داره فإن أصر حبسه أو ضربه سياطا، ومن شاء أزعجه عن داره.

وأما الشافعي فقال: في كتاب أدب القضاء: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته. وصرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ.

قال: الشيخ أبو إسحاق في التنبيه ولا تصح يعني الإجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر وحمل الخمر ولم يذكر فيه خلافا، وقال في المهذب: ولا يجوز على المنافع المحرمة كالغناء؛ لأنه محرم فلا يجوز أخذ العوض عنه كالميتة والدم.

فقد تضمن كلام الشيخ أمورا.

أحدها: أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة.

الثاني: أن الاستئجار عليها باطل.

الثالث: أن أكل المال به أكل مال بالباطل بمنزلة أكله عوضا عن الميتة والدم.

الرابع: أنه لا يجوز لرجل بذل ماله للمغني ويحرم عليه ذلك فإنه بذل ماله في مقابلة محرم وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة.

الخامس: أن الزمر حرام، وإذا كان الزمر الذي هو أخف آلات اللهو حراما فكيف بما هو أشد منه كالرد والطنبور واليراع، ولا ينبغي لمن شم

<<  <  ج: ص:  >  >>