هؤلاء الذين دعوا إلى التأسي باليهود وأشباههم في الأغاني ارتفعت همتهم فدعوا إلى التأسي بهم في إيجاد المصانع النافعة والأعمال المثمرة، ولكن وياللأسف انحطت أخلاق هؤلاء ونزلت همتهم حتى دعوا إلى التأسي بأعداء الله وأعداء رسوله وأعداء المسلمين عموما والعرب خصوصا في خصلة دنيئة من سفاسف الأخلاق وسيئ الأعمال، بل من الأمراض المخدرة للشعوب والسالبة لحريتها وأفكارها، والصارفة لها عن معالي الأمور ومكارم الأخلاق وعن النشاط في ميادين الإصلاح إلى ضد ذلك ومن أراد أن يعرف مثالا لسقوط الهمم وضعف التفكير وانحطاط الأخلاق فهذا مثاله، دعوة من بلاد إسلامية إلى خلق من أحط الأخلاق يتأسى فيه بأمة من أحط الأمم وأشدها عداوة للإسلام والعرب وقد غضب الله عليها ولعنها، فالمتأسي بها له نصيب من ذلك، ولا شك أن هذا من آيات الله التي ميز بها بين عباده وجعلهم أصنافا متباينة، هذا همته فوق الثريا ينشد الإصلاح أينما كان، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويدعو إلى الأعمال المثمرة والمصانع النافعة للأمة في دينها ودنياها في عصر العلم المادي والجموح الفكري والتيارات الجارفة المتنوعة، وشخص آخر قد انحطت همته إلى الثرى يدعو إلى سفاسف الأمور وخبيث الأخلاق، يدعو إلى ما يضعف الأمة ويشغلها عن طرق الإصلاح وكسب القوة وعمارة البلاد بكل عمل جدي مثمر، يدعو إلى التأسي بالأمة العاملة في الخسيس لا في الحسن وفي الفساد لا في الإصلاح وفي الشر لا في الخير وفي ما يضر لا ما ينفع، هذه والله العبر التي لا يزال الله سبحانه يوجدها بين عباده؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، فسبحان الله ما أعظم شأنه وسبحان الله ما أحكمه وأعلمه بأحوال عباده.
أيها القارئ الكريم إن تزويد الإذاعة بالأغاني والطرب وآلات الملاهي فساد وحرام بإجماع من يعتد به من أهل العلم، وإن لم يصحب الغناء آلة