للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: صاغرين ذليلين، وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة، وعلى أن من استكبر عنه فمأواه جهنم، فإذا كانت هذه حال من استكبر عن دعاء الله، فكيف تكون حال من دعا غيره، وأعرض عنه، وهو سبحانه القريب المالك لكل شيء والقادر على كل شيء كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (١) وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الدعاء هو العبادة، وقال لابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله (٢) » أخرجه الترمذي وغيره.

وقال صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار (٣) » رواه البخاري، وفي الصحيحين «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك (٤) » والند: هو النظير والمثيل فكل من دعا غير الله، أو استغاث به أو نذر له، أو ذبح له أو صرف له شيئا من العبادة سوى ما تقدم، فقد اتخذه ندا، سواء كان نبيا أو وليا، أو ملكا أو جنيا، أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات.

أما سؤال الحي الحاضر بما يقدر عليه، والاستعانة به في الأمور الحسية، التي يقدر عليها فليس ذلك من الشرك، بل من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين، كما قال تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (٥) وكما قال تعالى في قصة موسى أيضا: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (٦) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب، وغيرها من الأمور التي تعرض للناس، ويحتاجون فيها إلى بعضهم


(١) سورة البقرة الآية ١٨٦
(٢) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٦) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٣٠٨) .
(٣) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٤٩٧) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٣٧٤) .
(٤) صحيح البخاري تفسير القرآن (٤٤٧٧) ، صحيح مسلم الإيمان (٨٦) ، سنن الترمذي تفسير القرآن (٣١٨٣) ، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٤) ، سنن أبو داود الطلاق (٢٣١٠) ، مسند أحمد بن حنبل (١/٣٨٠) .
(٥) سورة القصص الآية ١٥
(٦) سورة القصص الآية ٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>