للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (١) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (٢) » ويقول صلى الله عليه وسلم: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله (٣) » .

فالداعي إلى الله عز وجل عليه أن يتحرى الحق، ويرفق بالمدعو، ويجتهد في الإخلاص لله، وعلاج الأمور بالطريقة التي رسمها الله وهي الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله على علم وبصيرة حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيح الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب لمن عنده جفاء وإعراض وقسوة، فإن القلوب تلين بالدعوة إلى الله، والموعظة الحسنة، وبيان ما عند الله من الخير لمن قبل الحق، وما عليه من الخطر، إذا رد الدعوة التي جاءت بالحق، إلى غير هذا من وجوه الموعظة.

وأما أصحاب الحسبة وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فعليهم أن يلتزموا بالآداب الشرعية، ويخلصوا لله في عملهم، ويتخلقوا بما يتخلق به الدعاة إلى الله من حيث الرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى غير ذلك من الظلمة والمكابرين والمعاندين فحينئذ تستعمل معهم القوة الرادعة لقول الله سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (٤) وقوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان (٥) » خرجه مسلم في صحيحه.

أما غيرهم فيعامل في إنكار المنكر والدعوة إلى المعروف بمثل ما يفعل الداعي: ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويقيم الحجة على ذلك حتى يلتزم


(١) سورة طه الآية ٤٤
(٢) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٩٤) ، سنن أبو داود الأدب (٤٨٠٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٦/١٢٥) .
(٣) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٩٢) ، سنن أبو داود الأدب (٤٨٠٩) ، سنن ابن ماجه الأدب (٣٦٨٧) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣٦٦) .
(٤) سورة العنكبوت الآية ٤٦
(٥) صحيح مسلم الإيمان (٤٩) ، سنن الترمذي الفتن (٢١٧٢) ، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠٠٨) ، سنن أبو داود الصلاة (١١٤٠) ، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (١٢٧٥) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>