للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة والنبيين أربابا من دونه؛ لأن ذلك كفر بنص الآية.

وفي حديث جابر عند مسلم في صحيحه يقول رضي الله عنه: «نهى رسول الله عن تجصيص القبور وعن القعود عليها وعن البناء عليها (١) » وما ذاك إلا لأن تجصيصها والبناء عليها وسيلة إلى الشرك بأهلها والغلو فيهم.

أما القعود عليها فهو امتهان لها، فلا يجوز ذلك، كما لا يجوز البول عليها والتغوط عليها، ونحو ذلك من أنواع الإهانة؛ لأن المسلم محترم حيا وميتا لا يجوز أن يداس قبره ولا أن تكسر عظامه ولا أن يقعد على قبره ولا أن يبال عليه ولا أن توضع عليه القمائم. كل هذا ممنوع، فالميت لا يمتهن ولا يعظم بالغلو فيه ودعائه مع الله والطواف بقبره ونحو ذلك من أنواع الغلو، وبذلك يعلم أن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت بالأمر الوسط بشأن الأموات فلا يغلى فيهم ويعبدون مع الله ولا يمتهنون بالقعود على قبورهم ونحو ذلك وهي وسط في كل الأمور والحمد لله؛ لأنها تشريع من حكيم عليم يضع الأمور في مواضعها كما قال عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (٢)

ومن هذا ما جاء في الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها (٣) » فجمعت الشريعة الكاملة العظيمة بين الأمرين؛ بين تحريم الغلو بدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم والصلاة إلى قبورهم وبين النهي عن إيذائهم وامتهانهم والجلوس على قبورهم أو الوطء عليها والاتكاء عليها، كل هذا ممنوع فلا هذا ولا هذه.

وبهذا يعلم المؤمن ويعلم طالب الحق أن الشريعة جاءت بالوسط لا بالشرك ولا بالإيذاء. فالميت المسلم يدعى له ويستغفر له ويسلم عليه عند زيارته، أما أن يدعى من دون الله أو يطاف بقبره أو يصلى إليه فلا، أما الحي الحاضر فلا بأس بالتعاون معه فيما أباح الله؛ لأن له قدرة


(١) صحيح مسلم الجنائز (٩٧٠) ، سنن الترمذي الجنائز (١٠٥٢) ، سنن النسائي الجنائز (٢٠٢٨) ، سنن أبو داود الجنائز (٣٢٢٥) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٣٣٩) .
(٢) سورة الأنعام الآية ٨٣
(٣) صحيح مسلم الجنائز (٩٧٢) ، سنن الترمذي الجنائز (١٠٥٠) ، سنن النسائي القبلة (٧٦٠) ، سنن أبو داود الجنائز (٣٢٢٩) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/١٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>