للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأشربة المحرمة فهذه الأشياء لا يجوز التداوي بها، ولو زعم بعض الناس أن فيها نفعا، ولو اعتقد أن الله هو الشافي وأنها أسباب، وما ذلك إلا للأدلة الدالة على تحريم التداوي بالنجاسات والمحرمات، ولو قدر أن فيها بعض النفع؛ لأن ضرره أكبر؛ ولأنه ليس كل ما فيه نفع يباح استعماله، بل لا بد من أمرين: أحدهما: أن لا يرد فيه نهي خاص عن الشارع عليه الصلاة والسلام. والأمر الثاني: أن لا تكون مضرته أكبر من نفعه، فإن كانت مضرته أكبر لم يجز استعماله، وإن لم يرد فيه نهي؛ لأن الشرع الكامل ورد بتحريم ما يغلب ضرره، كالخمر، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عباد الله تداووا ولا تتداووا بحرام (١) » وفي لفط آخر: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» وصح عنه صلى الله عليه وسلم «أن رجلا سأله عن الخمر يصنعها للدواء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدواء ولكنها داء (٢) » ومما تقدم تعلمون أن المعيار في التحليل والتحريم ليس هو اعتقاد الإنسان، وإنما المعيار هو الأدلة الشرعية؛ لأن الإنسان قد يعتقد أن الشفاء من الله، ويتعاطى أسبابا محرمة كأهل الشرك فإنهم يتعلقون بآلهتهم ويعبدونها من دون الله، ويقولون إنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم لديه، ولا يعتقدون أنها تتصرف بذاتها في شفائهم، أو رد غائبهم أو الدفاع عنهم، كما قال الله سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (٣) الآية، وقال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (٤) {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (٥) والأدلة في هذا المعنى كثيرة، وقد يتعاطى الإنسان أسبابا هي في نفسها جائزة، كالرقية الشرعية، وتناول الحبوب، والإبر المشتملة


(١) سنن أبو داود الطب (٣٨٧٤) .
(٢) صحيح مسلم الأشربة (١٩٨٤) ، سنن الترمذي الطب (٢٠٤٦) ، سنن أبو داود الطب (٣٨٧٣) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣١٧) ، سنن الدارمي الأشربة (٢٠٩٥) .
(٣) سورة يونس الآية ١٨
(٤) سورة الزمر الآية ٢
(٥) سورة الزمر الآية ٣

<<  <  ج: ص:  >  >>