للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك. قالوا يا رسول الله إذا نكثر؟ قال: الله أكثر (١) » .

فإذا تأجلت الحاجة فلا تلم ربك، ولا تقل: لماذا ... لماذا يارب، بل عليك أن ترجع إلى نفسك، وتحاسبها فإن ربك حكيم عليم.

فارجع إلى نفسك وانظر فلعل عندك شيئا من الذنوب والمعاصي، كانت هي السبب في تأخير الإجابة، ولعل هناك أمرا آخر، تأخرت الإجابة من أجله، يكون خيرا لك.

فلا يجوز أن تتهم ربك بما لا يليق به سبحانه، ولكن عليك أن تتهم نفسك، وتنظر في أعمالك وسيرتك، حتى تصلح من شأنك، وحتى تستقيم على أمر ربك فتنتهي عن نواهيه، وتقف عند حدوده.

وينبغي أن يعلم أنه سبحانه قد يؤخر الإجابة لمدة طويلة، كما أخر إجابة يعقوب في رد ابنه يوسف إليه، وهو نبي كريم عليه الصلاة والسلام، وكما أخر شفاء نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام.

وقد يعطي الله السائل خيرا مما سأل، وقد يصرف عنه من الشر أفضل مما سأل، كما جاء في الحديث السابق الذي ذكرنا آنفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه في الشر مثل ذلك. قالوا: يارسول الله، إذا نكثر؟! قال: الله أكثر (٢) » .

فبين في هذا الحديث عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه قد يؤخر الإجابة إلى الآخرة، وقد يعجلها في الدنيا لحكمة بالغة؛ لأن ذلك أصلح لعبده، وأنفع له، وقد يصرف عنه شرا عظيما، خيرا له من إجابة دعوته.

فعليك بحسن الظن بالله، وأن تستمر في الدعاء وتلح في ذلك، فإن في


(١) مسند أحمد بن حنبل (٣/١٨) .
(٢) مسند أحمد بن حنبل (٣/١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>