للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخلافة، وقام معاوية رضي الله عنه وجماعة يطالبون بدم عثمان، وبايعه كثير من الناس على ذلك، وعظمت الفتنة واشتدت البلية، وانقسم المسلمون قسمين بسبب هذه الفتنة: طائفة انحازوا إلى معاوية رضي الله عنه وأهل الشام، يطالبون عليا رضي الله عنه بتسليم القتلة.

وطائفة أخرى هم علي رضي الله عنه وأصحابه، طلبوا معاوية وأصحابه الهدوء والصبر، وبعد تمام الأمر واستقرار الخلافة ينظر في أمر القتلة.

واشتد الأمر وجرى ما جرى من حرب الجمل وصفين، وظن بعض الناس في ذلك الوقت أن الأولى عدم الدخول في هذه الفتنة، واعتزل بعض الصحابة ذلك، فلم يكونوا مع علي ولا مع معاوية.

والفتنة اليوم كذلك، حصل فيها اشتباه؛ لأن وقوع الفتن يسبب اشتباها كثيرا على الناس، وليس كل إنسان عنده العلم الكافي بما ينبغي أن يفعل، فقد يقع له شبه تحول بينه وبين فهم الصواب. وهذه الفتنة التي وقعت الآن ليست مما يعتزل فيها؛ لأن الحق فيها واضح، والقاعدة أن الفتنة التي ينبغي عدم الدخول فيها هي: المشتبهة التي لا يتضح فيها الحق من الباطل، والتي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به (١) » رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه. ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا فالقاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي، فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم (٢) » رواه ابن ماجه وأبو داود، فهذه الفتنة التي تشتبه ولا يتضح للمؤمن فيها الحق من الباطل، هي التي يشرع البعد عنها وعدم الدخول فيها.


(١) صحيح البخاري الفتن (٧٠٨١) ، صحيح مسلم الفتن وأشراط الساعة (٢٨٨٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٢٨٢) .
(٢) سنن أبو داود الفتن والملاحم (٤٢٥٩) ، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٦١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>