للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من القول على الله بغير علم، فلا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول: هذا حلال، وهذا حرام، أو هذا جائز، وهذا ممتنع، إلا بحجة يحسن الاعتماد عليها، وإلا فليسعه ما وسع أهل العلم قبله، وهو الإمساك عن الخوض فيما لا يعلم وأن يقول: الله أعلم أو لا أدري، وما أحسن قول الملائكة عليهم السلام لربهم عز وجل: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (١)

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم إذا سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء لا يعلمونه قالوا: (الله ورسوله أعلم) . وما ذاك إلا لكمال علمهم وإيمانهم، وتعظيمهم لله عز وجل، وبعدهم عن التكلف، ومن هذا الباب وجوب التثبت فيما يقوله الكفار، والفساق وغيرهم، عن الكواكب وخواصها، وإمكان الوصول إليها، وما يلتحق بذلك، فالواجب على المسلمين في هذا الباب كغيره من الأبواب التثبت، وعدم المبادرة بالتصديق أو التكذيب، إلا بعد حصول المعلومات الكافية، التي يستطيع المسلم أن يعتمد عليها ويطمئن إليها، في التصديق أو التكذيب، وهذا هو معنى قوله سبحانه في الآية السابقة من سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (٢) الآية، والتبين هو التثبت، حتى توجد معلومات أو قرائن تشهد لخبر الفاسق ونحوه، بما يصدقه أو يكذبه، ولم يقل سبحانه: إن جاءكم فاسق بنبأ فردوا خبره. بل قال فتبينوا؛ لأن الفاسق سواء كان كافرا، أو مسلما عاصيا، قد يصدق في خبره، فوجب التثبت في أمره. وقد أنكر الله سبحانه على الكفار تكذيبهم بالقرآن بغير علم، فقال جل وعلا: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (٣) وما أحسن ما قاله العلامة: ابن القيم رحمه الله


(١) سورة البقرة الآية ٣٢
(٢) سورة الحجرات الآية ٦
(٣) سورة يونس الآية ٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>