ما هؤلاء الناس؟ إنهم ليسوا عربا ولا عجما ولا روس ولا أمريكان!! إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح، بليت به هذه البلاد إثر ما وضعه الاستعمار بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها، فهم - كما جاء في الحديث - «من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا (١) » ، بيد أنهم عدو لتاريخنا وحضارتنا وعبء على كفاحنا ونهضتنا، وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه.
إن هؤلاء الناس الذين برزوا فجأة، وملأت ضجتهم الأودية كما تملأ الضفادع بنقيقها أكناف الليل، يجب أن يمزق النقاب عن سريرتهم، وأن تعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم، حتى لا يروج لهم خداع، ولا ينطلي لهم زور، إن صفوف الذين يلبسون مسوح العروبة، ويندسون خلال صفوف المجاهدين، ويزعمون أنهم مبشرون بالقومية العربية ورافعون لألويتها، وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة، ويهاجمون أجل ما عرفت به، ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته إن هؤلاء الناس ينبغي أن يماط اللثام عن وجوههم الكالحة، وأن تلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها الاستعمار لهم، ووقف بعيدا يرقب نتائجها المرة، وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة القرآن، وصاحبها العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لقد قرأنا ما يكتبون، وسمعنا ما يقولون، ولم يعوزنا الذكاء لاستبانة غاياتهم، فهم ملحدون مجاهرون بالكفر، يقولون في صراحة: إن الإسلام ليس إلا نهضة عربية، فاز بها هذا الجنس العظيم في القرون الوسطى، واستطاع في فورته العارمة أن يجتاح العالم بقيادة رجل عبقري، هو الزعيم الكبير: محمد صلى الله عليه وسلم أي أن هذا الدين الجليل، نبت من الأرض، ولم ينزل من السماء، وأنه انطلاقة شعب طامح فاتح، وليس هداية مثالية فدائية، جاءت من عند الله لتنقذ العرب من جاهلية طامسة، كانوا بها في
(١) صحيح البخاري المناقب (٣٦٠٦) ، صحيح مسلم الإمارة (١٨٤٧) ، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٧٩) .