ولا يخفى أن العالم سواء كان قاضيا أو غيره إذا اجتهد فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، كما صح بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا خطر عليه مع الصدق والإخلاص والتحري للحق، وإنما الخوف والخطر العظيم على من يتهجم على القضاء أو الفتوى بالجهل، أو يقضي بالجور، كما في حديث بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به ورجل عرف الحق فجار فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار (١) » ، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم.
أما من يتحرى الحق، ويجتهد في العمل به، ويتحرى النفع للمسلمين فهو بين أمرين، بين أجر وأجرين كما تقدم بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم إني أوصي جميع إخواني المسلمين عامة، وأهل العلم وطلبته بصفة خاصة، ونفسي بتقوى الله عز وجل في كل الأمور، والعمل بالعلم بأداء فرائض الله، والبعد عن محارمه؛ لأن طالب العلم قدوة لغيره فيما يأتي ويذر في جميع الأحوال في حال القضاء وغير القضاء، في طريقه وفي بيته، وفي اجتماعه بالناس وفي سيارته، وفي طائرته وفي جميع الأحوال. فهو قدوة في الخير، عليه أن يراقب الله ويعمل بما علمه سبحانه، ويدعو الناس إلى الخير بقوله وعمله جميعا، حتى يتميز بين الناس ويعرف بعلمه وفضله، وهديه الصالح،
(١) سنن الترمذي الأحكام (١٣٢٢) ، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٧٣) ، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣١٥) .