للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبغي الخلطة، فالأجرب لا يخالط الصحيح، هكذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاتقاء والحذر من أسباب الشر، لكن ليس المعنى: أنه إذا خالط فإنه سيعدي، لا، قد يعدي وقد لا يعدي، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «فمن أعدى الأول؟ (١) » .

ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: «فر من المجذوم فرارك من الأسد (٢) » والمقصود: أن تشاؤم أهل الجاهلية بالعدوى وبالتطير أو الهامة - وهي: روح الميت، يقولون: إنها تكون كأنها طائر حول قبره يتشاءمون بها - وهذا باطل لا أصل له، وروح الميت مرتهنة بعمله إما في الجنة أو النار.

والطيرة والتشاؤم بالمرئيات والسمعيات من عمل الجاهلية، حيث كانوا يتشاءمون إذا رأوا شيئا لا يناسبهم مثل الغراب، أو الحمار الأسود، أو مقطوع الذنب، أو ما أشبه ذلك، فيتشاءمون به، هذا من جهلهم وضلالهم، قال الله جل وعلا في الرد عليهم: {أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} (٣) فالله بيده الضر والنفع، وبيده العطاء والمنع، والطيرة لا أصل لها، ولكنه شيء يجدونه في صدورهم ولا حقيقة له، بل هو شيء باطل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا طيرة (٤) » .

ولذا يجب على المسلم إذا رأى ما يتشاءم به: ألا يرجع عن حاجته، فلو خرح ليسافر، وصادفه حمار غير مناسب أو رجل غير مناسب أو ما أشبه ذلك، فلا يرجع، بل يمضي في حاجته ويتوكل


(١) صحيح البخاري الطب (٥٧١٧) ، صحيح مسلم السلام (٢٢٢٠) ، سنن أبو داود الطب (٣٩١١) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٤٣٤) .
(٢) رواه البخاري في صحيحه (٣٧٠٧) تعليقا، ورواه أحمد في مسنده ٢\٤٤٣، وذكر الحافظ ابن حجر في شرحه (فتح الباري) (١٠\١٥٨) : أن أبا نعيم وصله من طريق أبي داود الطيالسي، وسنده صحيح، وذكر أيضا أن ابن خزيمة وصله كذلك، وقال البغوي بعد أن أورده في شرح السنة (٣٢٤٧)
(٣) سورة الأعراف الآية ١٣١
(٤) صحيح البخاري الطب (٥٧٥٤) ، صحيح مسلم السلام (٢٢٢٣) ، سنن ابن ماجه الطب (٣٥٣٦) ، مسند أحمد بن حنبل (٢/٢٦٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>