للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكمة في ذلك كما قال جمع من أهل التفسير: أن الإنسان إذا تعقل ما خلق له وما أمر به، وما خوطب به، ونظر فيه وتأمله حصل له به التذكر، لما يجب عليه، ولما ينبغي له تركه، ثم بعد ذلك تكون التقوى: بفعل الأوامر وترك النواهي، وبذلك يكمل للعبد العناية بما قرأ، أو بما سمع، فإنه يبدأ بالتعقل والتذكر ثم العمل وهو المقصود.

فالوصية بكتاب الله قولا وعملا تشمل الدعوة إليه، والذب عنه، والعمل به؛ لأنه كتاب الله الذي من تمسك به نجا، ومن حاد عنه هلك، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله، وذلك حينما سئل عبد الله بن أبي أوفى: هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: نعم، أوصى بكتاب الله. فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله لأنه يجمع الخير كله.

وفي صحيح مسلم، عن جابر رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى في حجة الوداع بكتاب الله، فقال: «إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله من تمسك به نجا ومن أعرض عنه هلك (١) » . وفي صحيح مسلم أيضا، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به (٢) » .

فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (٣) » ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله، كما أوصى الله بكتابه، ثم الوصية بكتاب الله وصية بالسنة؛ لأن القرآن أوصى بالسنة وأمر بتعظيمها، فالوصية بكتاب الله وصية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما الثقلان، وهما الأصلان اللذان لا بد منهما، من


(١) صحيح مسلم كتاب الحج (١٢١٨) ، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٧٤) ، مسند أحمد بن حنبل (٣/٣٢١) ، سنن الدارمي كتاب المناسك (١٨٥٠) .
(٢) صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٤٠٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣٦٧) ، سنن الدارمي فضائل القرآن (٣٣١٦) .
(٣) صحيح مسلم فضائل الصحابة (٢٤٠٨) ، مسند أحمد بن حنبل (٤/٣٦٧) ، سنن الدارمي فضائل القرآن (٣٣١٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>