للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكل شيء لم يكن مشروعا في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد أصحابه رضي الله عنهم لا يمكن أن يكون مشروعا بعد ذلك، ولو فتح هذا الباب لفسد أمر الدين ودخل فيه ما ليس منه، وأشبه المسلمون في ذلك ما كان عليه اليهود والنصارى من التلاعب بالأديان وتغييرها على حسب أهوائهم واستحساناتهم وأغراضهم المتنوعة، ولهذا قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه رحمه الله كلمة عظيمة وافقه عليها أهل العلم قاطبة، وهي قوله: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها) ، ومراده بذلك أن الذي أصلح أولها هو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسير على تعاليمهما، والحذر مما خالفهما، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا هذا الأمر الذي صلح به أولها، ولقد صدق في ذلك رحمه الله فإن الناس لما غيروا وبدلوا واعتنقوا البدع وأحدثوا الطرق المختلفة تفرقوا في دينهم، والتبس عليهم أمرهم وصار كل حزب بما لديهم فرحون وطمع فيهم الأعداء، واستغلوا فرصة الاختلاف وضعف الدين، واختلاف المقاصد، وتعصب كل طائفة لما أحدثته من الطرق المضلة، والبدع المنكرة حتى آلت حال المسلمين إلى ما هو معلوم الآن من الضعف والاختلاف وتداعي الأمم عليهم، فالواجب على أهل الإسلام جميعا هو الرجوع إلى دينهم والتمسك بتعاليمه السمحة وأحكامه العادلة، وأخذها من منبعها الصافي: الكتاب العزيز والسنة الصحيحة المطهرة، والتواصي بذلك، والتكاتف على تحقيقه في جميع المجالات التشريعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك، والحذر كل الحذر من كل ما يخالف ذلك أو يفضي إلى التباسه أو التشكيك فيه، وبذلك ترجع إلى المسلمين عزتهم المسلوبة، ويرجع إليهم مجدهم الأثيل وينصرهم الله على أعدائهم ويمكن لهم في الأرض كما قال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (١)


(١) سورة النور الآية ٥٥

<<  <  ج: ص:  >  >>