ونفس الدعاء عبادة وقربة سواء أجيب الناس أو لم يجابوا كما سمعتم في الندوة، الدعاء: عبادة وقربة، وفيه خير كثير، ومصالح جمة، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تدخر له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من الشر مثل ذلك قالوا: يا رسول الله إذا نكثر قال: الله أكثر (١) » فالمعنى أن الإنسان قد يدعو وتؤخر دعوته لحكمة بالغة؛ إما ليزداد ذله لله وليزداد دعاؤه لله وإظهار حاجته بين يديه فيكون له في هذا خير عظيم، فكم من حاجة صارت سببا لهداية صاحبها وصلاح قلبه، وصلاح عمله، وقربه من الله عز وجل، وكان قبل ذلك في غفلة وفي إعراض، فجاءته حاجة من فقر، أو مرض، أو تسليط أعداء، فلجأ إلى الله، وضرع إليه، واستغاثه، وانكسر بين يديه، وفتح الله عليه من المعارف والعلوم والأنس بالله والذل بين يديه، ما جعل هذه الحاجة سببا لهدايته وصلاح قلبه، وما جعل هذه الحاجة سببا لقربه من الله، وانتقاله من حال الغافلين والمعرضين إلى حال المقربين
(١) رواه الإمام أحمد في (باقي مسند المكثرين) مسند أبي سعيد الخدري برقم (١٠٧٤٩) ، والترمذي في (الدعوات) باب في انتظار الفرج برقم (٣٥٧٣) .