للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لذلك على دليلٍ، ولعلَّه ألحقهما بركعتي الفجر. قال: ولهما مناسبةٌ بالحال لِما فيهما من الإخلاصِ والتَّوحيد والمُستخير يحتاج لذلك. قال: ومن المناسبِ أن يقرأَ مثل قوله: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: ٦٨] وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [الأحزاب: ٣٦] والأكملُ أن يقرأَ في كلٍّ منهما السُّورة والآية الأُوليين في الأُولى، والأُخريين في الثَّانية، وهل يقدّم الدُّعاء على الصَّلاة؟ الظَّاهر لا؛ للإتيان بـ «ثمَّ» المقتضيةِ للتَّرتيب في قوله، «ثمَّ يقول»: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) أي: أطلب منكَ الخِيَرة (وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ) أي: أطلب منك أن تجعلَ لي على ذلك قدرةً، أو أطلب منك أن تقدِّره لي؛ إذ المراد بالتَّقدير: التَّيسير، والباء في «بعلمك» و «بقدرتك» للتَّعليل، أي: لأنَّك أعلم، ولأنَّك قادرٌ، أو للاستعانة كقوله: ﴿بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا﴾ [هود: ٤١] أو للاستعطاف كقوله: ﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ [القصص: ١٧] (وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ) إلَّا بك (وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ) إلَّا بك فيما فيه خيرتي، فالقدرة والعلم لك وحدك، وليس للعبد إلَّا ما قدَّرته له (وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ) فيه لفٌّ ونشرٌ غير مرتَّبٍ (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي) قال في «الكواكب»: فإن قلتَ: كلمة «إِنْ» للشَّكِّ، ولا يجوزُ الشَّكُّ في كونِ الله عالمًا؟ وأجاب: بأنَّ الشَّكَّ في أنَّ العلم (١) يتعلَّق بالخيرِ أو الشَّرِّ لا في أصلِ العلم، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: «تعلمُ هذا الأمر خيرًا لي» (فِي دِينِي وَمَعَاشِي) بالشين المعجمة وفتح الميم، حياتي أو ما يُعاش فيه، وفي «الأوسط» للطَّبرانيِّ، عن ابنِ مسعودٍ: «في دِيني ودُنياي» وعندَه من حديث أبي أيُّوبٍ: «دنياي وآخرتي» (وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُِرْهُ لِي) بوصل الهمزة وضم الدال وتكسر، أي: اجعلهُ مقدورًا لي، أو قدِّره، أو يسِّره (وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أو قال: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ) حتَّى لا يبقى (٢) قلبِي بعد صرفهِ عنِّي متعلِّقًا به، ثمَّ عمَّم الطَّلب بقوله: (وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ) ثمَّ ختم بقوله: (ثُمَّ رَضِّنِي) بتشديد المعجمة؛ لأنَّ رضا الله ورضا العبدِ متلازمان بل رضا العبدِ مسبوقٌ برضا الله، وهو جماعُ كلِّ خيرٍ واليسيرُ منه خيرٌ من الجنان (٣)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: «ثمَّ


(١) عبارة «الكواكب» و «العمدة»: «في أنَّ علمه».
(٢) في (ص) زيادة: «في».
(٣) في (ع): «الجبال».

<<  <  ج: ص:  >  >>