للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النُّسكين على ما لا يخفى، والنُّسُكين -بضمِّ السِّين كما في فروعٍ ثلاثةٍ لـ «اليونينيَّة» وغيرها- تثنية نسكٍ، وضبطه الحافظ ابن حجرٍ والعينيُّ والدَّمامينيُّ بإسكان السِّين مستدلِّين بما نقلوه عن الجوهريِّ: أنَّ النُسْك بإسكان السِّين: العبادة، وبالضَّمِّ: الذَّبيحة، والذي رأيته في «الصَِّحاح»: والنُّسْك: العبادة، والنَّاسك: العابد، وقد نَسَكَ وتنسَّك، أي: تعبَّد، ونَسُكَ -بالضَّمِّ- نَساكَةً، أي: صار ناسكًا، والنَّسيكة: الذَّبيحة، والجمع نُسُكٌ، ونَسَائِكُ، هذا لفظه، وقال في «القاموس»: النُّسُْك: مُثلَّثةٌ، وبضمَّتين: العبادة، وكل حقٍّ لله ﷿، والنُّسك بالضَّمِّ وبضمَّتين وكسفينةٍ: الذَّبيحة، أو النَّسْكُ: الدَّم، والنَّسيكة: الذِّبْح (١)، فليُتأمَّل هذا مع ما سبق (فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ) أي: الجمع بين الحجِّ والعمرة (فِي كِتَابِهِ) العزيز حيث قال: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] (وَسَنَّهُ) أي: شرعه (نَبِيُّهُ ) حيث أمر به أصحابه (وَأَبَاحَهُ) أي: التَّمتُّع (لِلنَّاسِ) بعد أن كانوا يعتقدون حرمته في أشهر الحجِّ، وأنَّه من أفجر الفجور (غَيْرَِ أَهْلِ مَكَّةَ) فلا دم عليهم، و «غيرَ» بالنَّصب على الاستثناء، والجرِّ صفةٌ لـ «النَّاس»، وقوله في «الفتح»: «ويجوز كسره» مخالفٌ للاستعمال النَّحويِّ؛ إذ هو للبناء، والجرُّ للإعراب.

(قَالَ اللهُ) ﷿: (﴿ذَلِكَ﴾) إشارةٌ إلى الحكم المذكور عندنا والتَّمتُّع عند أبي حنيفة؛ إذ لا تمتُّع ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده تقليدًا لابن عبَّاسٍ ، وأجاب الشَّافعيَّة بأنَّ قول الصَّحابيِّ ليس حجَّةً عند الشَّافعيِّ؛ إذ المجتهد لا يقلِّد مجتهدًا، قاله الكِرمانيُّ وغيره (٢)، وأمَّا قول العينيِّ: إنَّ هذا جوابٌ واهٍ مع إساءة الأدب (٣)، فإنَّ مثل ابن عبَّاسٍ كيف لا يُحتَجُّ بقوله، وأيُّ مجتهدٍ بعد الصَّحابة يلحق ابن عبَّاسٍ أو يقرب منه حتَّى لا يقلِّده؟! فلا يخفى ما فيه، فلا يحتاج إلى الاشتغال بردِّه (﴿لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٦]) وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا كمن مساكنهم بها، واعتُبِرت المسافة من الحرم لأنَّ كلَّ موضعٍ ذكر اللهُ (٤) فيه المسجدَ الحرام فهو الحرم إلَّا قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٤٤] فهو نفس الكعبة، واعتبرها الرَّافعيُّ في «المُحرَّر» من مكَّة، قال في «المهمَّات»: وبه


(١) في (د): «والنُّسك: الذَّبيح»، والمثبت موافقٌ لما في «القاموس».
(٢) «وغيره»: ليس في (د) و (م).
(٣) في (د): «أدبٍ».
(٤) «الله»: اسم الجلالة ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>