للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَولى من دعوى الاضطراب والطَّعن في الرِّوايات المُقيَّدة لأجل الاضطراب؛ لأنَّ شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذَّر التَّرجيح أو الجمع، ولم يتعذَّر ذلك هنا، فيتعيَّن حمل المُطلَق على المُقيَّد، وإطلاق اسم الكلِّ على البعض سائغٌ مجازًا، وحينئذٍ فالرِّواية التي جاء فيها: أنَّ «الحِجْر من البيت» [خ¦١٥٨٤] مطلقةٌ، فيُحمَل المُطلَق منها على المُقيَّد، ولم تأت روايةٌ قطُّ صريحةٌ بأنَّ جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت، وإنَّما قال النَّوويُّ ذلك نصرةً لما صحَّحه: أنَّ جميع الحِجْر من البيت، وعمدته في ذلك أنَّ الشَّافعيَّ نصَّ على إيجاب الطَّواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البرِّ الاتِّفاق عليه، لكن لا يلزم منه أن يكون كلُّه من البيت، فقد نصَّ الشَّافعيُّ كما ذكره البيهقيُّ في «المعرفة»: أنَّ الذي في الحجر من البيت نحوٌ من ستَّة أذرعٍ، ونقله عن عدَّةٍ من أهل العلم من قريشٍ لقيهم، فيحتمل أن يكون رأى إيجاب الطَّواف من ورائه احتياطًا، ولأنَّه إنَّما طاف خارجه، وقد قال: «خذوا عنِّي مناسككم» وكما لا يصحُّ الطَّواف داخل البيت لا يصحُّ داخل جزءٍ منه، فلا يصحُّ على الشَّاذَروان -بفتح الذَّال المعجمة- وهو الخارج عن عرض جدار البيت مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراعٍ، تركته قريشٌ لضيق النَّفقة، فلو كان في الطَّواف ومسَّ جدار البيت في موازاة (١) الشَّاذَروان لا يصحُّ على الأصحِّ لأنَّ بعض بدنه في البيت، والصَّحيح من مذهب الحنابلة لا يجزئه وقطعوا به، وعند الشَّيخ تقيِّ الدِّين بن تيميَّة: إنَّه ليس من الكعبة، فعلى الأوَّل لو مسَّ الجدار بيده في موازاة الشَّاذَروان صَحَّ لأنَّ معظمه خارج البيت، قال (٢) في «الرِّعاية الكبرى»: لكن قال المرداويُّ: ويحتمل عدم الصِّحَّة، وقال الحنفيَّة: يصحُّ طواف من لم يحترز منه، لكن قال العلَّامة ابن الهمام: وينبغي أن يكون طوافه وراء الشَّاذَروان لئلَّا يكون طوافه في البيت بناءً على أنَّه منه، وقال الكِرمانيُّ من الحنفيَّة: الشَّاذَروان ليس من البيت عندنا، وعند الشَّافعيِّ: منه؛ حتَّى لا يجوز الطَّواف عليه، والقول قولنا لأنَّ الظَّاهر أنَّ البيت هو الجدار المرئيُّ قائمًا إلى أعلاه. انتهى. ومشهور مذهب المالكيَّة كالشَّافعيَّة، وعبارة الشَّيخ بهرام: ومن واجبات الطَّواف أن يطوف، وجميع بدنه خارجٌ عن شاذروان البيت، وهو البناء المُحْدَودب (٣)


(١) في (د): «محاذاة»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
(٢) في (د) و (م): «قاله».
(٣) في (د) و (ص): «المحدوب».

<<  <  ج: ص:  >  >>