للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي في جدار البيت، وأُسقِط من أساسه ولم يُرفَع على استقامته. انتهى. ونحوه قال الشَّيخ خليلٌ في «التَّوضيح»، لكن نازع الخطيب أبو عبد الله بن رُشَيدٍ -بضمِّ الرَّاء وفتح المعجمة- في «رحلته» في ذلك محتجًّا بما حاصله: أنَّ لفظ الشَّاذَروان لم يوجد في حديثٍ صحيحٍ ولا سقيمٍ ولا عن أحدٍ من السَّلف ولا ذِكْرَ له عن فقهاء المالكيَّة إلَّا ما وقع في «الجواهر» لابن شاسٍ، وتبعه ابن الحاجب، وهو بلا شكٍّ منقولٌ من كتب الشَّافعيَّة، وأقدم من ذكر ذلك منهم المزنيُّ، ومن ذكره منهم كابن الصَّلاح والنَّوويِّ مقرٌّ بأنَّ اليمانِيَيْن على قواعد إبراهيم، والآخرين ليسا عليها، فلو كان الشَّاذَروان من البيت لكان الرُّكن الأسود داخلًا في البيت، ولم يكن متمَّمًا على قواعد إبراهيم، فمن أين نشأ الشَّاذَروان؟ وقد انعقد الإجماع على أنَّ البيت مُتمَّمٌ على قواعد إبراهيم من جهة الرُّكنين اليمانِيَيْن ولذلك استلمهما النَّبيُّ دون الآخرين، وأنَّ ابن الزُّبير لمَّا هدمه حتَّى بلغ به الأرض وبناه على قواعد إبراهيم إنَّما زاد فيه من جهة الحجر، وأقامه على الأسس الظَّاهرة التي عاينها العُدول من الصَّحابة وكبراء التَّابعين، وأنَّ الحجَّاج لمَّا نقض البيت بأمر عبد الملك لم ينقضه (١) إلَّا من جهة الحِجر خاصَّةً، وهذا أمرٌ معلومٌ مقطوعٌ به مُجمَعٌ عليه منقولٌ بالسَّند الصَّحيح في الكتب المعتمدة التي لا يشكُّ فيها أحدٌ، وهو يردُّ (٢) قول ابن الصَّلاح: إنَّ قريشًا لمَّا رفعوا الأساس بمقدار ثلاثة (٣) أصابع من وجه الأرض -وهو القدر الظَّاهر الآن من الشَّاذَروان الأصليِّ قبل تزليقه (٤) - نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأوَّل، قال ابن رُشَيدٍ: وكيف يُقال: إنَّ هذا القدر الظَّاهر نقصته قريشٌ من عرض الجدار؟ وهل بقي لبناء قريشٍ أثرٌ؟ فالسَّهو والغلط فيما نقله ابن الصَّلاح مقطوعٌ به، ولعلَّ ابن الصَّلاح نقله عن التَّاريخيِّين، وإلَّا فهذا لم يأت في خبرٍ صحيحٍ ولا رُوِي من قول صاحبٍ يصحُّ سنده، ولو صحَّ لاشتُهِر ونُقِل، وإنَّما وُضِعَ هذا البناء حول البيت؛ ليقيه السُّيول كما قاله ابن عبد ربِّه في «كتاب العقد» في «صفة الكعبة»، وقال ابن تيميَّة: إنه جُعِل عمادًا للبيت، وأيَّده بأنَّ داخل


(١) في (م): «ينقصه».
(٢) زيد في (ص): «على».
(٣) في (ص) و (م): «ثلاث».
(٤) في (د): «تربيعه».

<<  <  ج: ص:  >  >>