للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فهو فاعل «بلغ» (ثُمَّ أَرْسَلَنِي) أي: أطلقني (فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ) ولأبوَي ذَرٍّ والوقت والأَصيليِّ: «فقلت»: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ) بالفتح والنَّصب، وبالضَّمِّ والرَّفع كسابقه (ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ) وهذا الغطُّ ليفرِّغه عن النَّظر إلى أمر (١) الدُّنيا، ويقبل بكلِّيته إلى ما يُلقَى إليه، وكرَّره للمبالغة، واستدلَّ به على أنَّ المؤدِّب لا يضرب صبيًّا أكثر من ثلاث ضرباتٍ، وقِيلَ: الغطَّة الأولى؛ ليتخلَّى عن الدُّنيا، والثَّانية: ليتفرَّغ لما يُوحَى إليه، والثَّالثة: للمؤانسة، ولم يذكر الجهد هنا، نعم؛ هو ثابتٌ عنده في التَّفسير [خ¦٤٩٥٣]-كما سيأتي إن شاء الله تعالى- وعدَّ بعضهم هذا من خصائصه ؛ إذ لم ينقل عن أحدٍ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنَّه جرى له عند ابتداء الوحي إليه (٢) مثله (ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾) قال الطِّيبيُّ: هذا أمرٌ بإيجاد القراءة مُطلَقًا، وهو لا يختصُّ بمقروءٍ دون مقروءٍ، فقوله: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ حالٌ، أي: اقرأ مفتتحًا باسم ربِّك، أي: قل: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يدلُّ على أنَّ البسملة مأمورٌ بها في ابتداء كلِّ قراءةٍ، وقوله: ﴿رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وصفٌ مناسبٌ مُشعِرٌ بعليَّة الحكم بالقراءة، والإطلاق في قوله: ﴿خَلَقَ﴾ أوَّلًا على منوال: يعطي ويمنع، وجعله توطئةً لقوله: (﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق: ١ - ٣]) الزَّائد في الكرم على كلِّ كريمٍ، وفيه دليلٌ للجمهور أنَّه أوَّل ما نزل، وروى الحافظ أبو عمرٍو الدَّاني من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما: أوَّل شيءٍ نزل من القرآن خمسُ آياتٍ إلى: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وفي «المرشد»: أوَّل ما نزل من القرآن هذه السُّورة في نمطٍ، فلمَّا بلغ جبريل هذا الموضع: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ طوى النَّمط، ومن ثمَّ قال القرَّاء: إنَّه وقفٌ تامٌّ، وقال: ﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ فَجَمَعَ، ولم يقل: من علقةٍ؛ لأنَّ


(١) في (ب) و (س): «أمور».
(٢) «إليه»: ليس في (ص) و (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>