أُحَرِّكُهُمَا) أي: شفتيَّ (لَكَ) كذا للأربعة، وفي بعض النُّسخ:«لكم» كما في «اليونينيَّة»(كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحَرِّكُهُمَا) لم يقل كما قال في الآتي: كما رأيت ابن عبَّاسٍ؛ لأنَّ ابن عباس لم يدرك ذلك (وَقَالَ سَعِيدٌ) هو ابن جُبيرٍ: (أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ) وإنَّما قال ابن جبيرٍ: كما رأيت ابن عبَّاسٍ؛ لأنَّه رأى ذلك منه من غير نزاعٍ، بخلاف ابن عبَّاسٍ فإنَّه لم يرَ النَّبيَّ ﷺ في تلك الحالة؛ لسبق نزول آية القيامة على مولده؛ إذ كان قبل الهجرة بثلاث سنين، ونزول الآية في بدء الوحي؛ كما هو ظاهرُ صنيع المؤلِّف حيث أورده هنا، ويحتمل أن يكون أخبره أحدٌ من الصَّحابة أنَّه رآه ﵊ يحرِّكهما، أو أنَّه ﵊ أخبر ابن عبَّاسٍ بذلك بعد، فرآه ابن عبَّاسٍ حينئذٍ. نعم؛ ورد ذلك صريحًا في «مسند أبي داود الطَّيالسيِّ»، ولفظه: قال ابن عبَّاسٍ: «فأنا أحرِّك لك شفتيَّ كما رأيت رسول الله ﷺ يحرِّكهما»، وجملة:«فقال ابن عبَّاسٍ … » إلى قوله: «فأنزل الله» اعتراضٌ بالفاء، وفائدتها: زيادة البيان بالوصف على القول.
وهذا الحديث يُسمى المُسلسَل بتحريك الشَّفة، لكنَّه لم يتَّصل تسلسله، ثمَّ عطف على قوله:«كان يعالج» قوله: (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى) ولأبوي ذَرٍّ والوقت: «﷿»(﴿لَا تُحَرِّكْ﴾) يا محمَّد (﴿بِهِ﴾) أي: بالقرآن (﴿لِسَانَكَ﴾) قبل أن يتمَّ وحيه (﴿لِتَعْجَلَ بِهِ﴾) لتأخذه على عجلةٍ مخافة أن يتفلَّت منك. وعند ابن جريرٍ من رواية الشَّعبيِّ: عَجِل به من حبِّه إيَّاه، ولا تَنافيَ بين محبَّته إيَّاه والشِّدَّة التي تلحقه في ذلك (﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾) أي: قراءته، فهو مصدرٌ مضافٌ للمفعول، والفاعل محذوفٌ، والأصل: وقراءتك إيَّاه، وقال الحافظ ابن حجرٍ: ولا منافاةَ بين قوله: «يحرِّك شفتيه» وبين قوله في الآية: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ لأنَّ تحريك الشَّفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلَّا اللِّسان يلزم منه تحريك اللِّسان، أو اكتفى بالشَّفتين، وحذف اللِّسان لوضوحه؛ لأنَّه الأصل في النُّطق، أو الأصل (١) حركة الفم، وكلٌّ من الحركتين ناشئٌ عن ذلك، وهو مأخوذٌ من كلام الكِرمانيِّ، وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ الملازمة بين التَّحريكين ممنوعةٌ