للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على ما لا يخفى، وتحريك الفم مُستبعَدٌ، بل مستحيلٌ؛ لأنَّ الفم اسمٌ لِمَا يشتمل عليه الشَّفتان، وعند الإطلاق لا يشتمل على الشَّفتين ولا على اللِّسان، لا لغةً ولا عرفًا، بل هو من باب الاكتفاء، والتَّقدير: فكان ممَّا يحرِّك به شفتيه ولسانه، على حدِّ: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي: والبرد، وفي «تفسير ابن جريرٍ الطَّبريِّ» -كالمؤلِّف في «تفسير سورة القيامة» - من طريق جريرٍ عن ابن أبي عائشة: «ويحرِّك به لسانه وشفتيه» [خ¦٤٩٢٩] فجمع بينهما.

(قَالَ) ابن عبَّاسٍ في تفسير ﴿جَمْعَهُ﴾ أي: (جَمَعَهُ) بفتح الميم والعين (لَكَ صَدْرُكَ) بالرَّفع على الفاعليَّة، كذا في أكثر الرِّوايات، وهي في «اليونينيَّة» للأربعة، أي: «جمعه الله في صدرك» وفيه إسناد الجمع إلى الصَّدر بالمجاز، على حدِّ: أنبت الرَّبيع البقل، أي: أنبت الله في الرَّبيع البقل، واللَّام للتَّعليل أو للتَّبيين، ولأبوَي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر: «جمْعُه لك صدرُك» بسكون الميم وضمِّ العين مصدرًا، ورفع راء «صدرك» فاعلٌ به، ولكريمة والحَمُّويي ممَّا ليس في «اليونينيَّة»: «جَمْعُه لك في صدرك» بفتح الجيم وإسكان الميم وزيادة «في»، وهو يوضِّح الأوَّل، وفي رواية أبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر أيضًا ممَّا في الفرع كأصله: «جَمْعُهُ له -بإسكان الميم، أي: جمْعُهُ تعالى للقرآن- صدرُك»، وللأَصيليِّ وحده: «جَمْعُه له في صدرك» بزيادة: «في» (وَ) قال ابن عبَّاسٍ أيضًا في تفسير ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ أي: (تَقْرَأَهُ) بفتح الهمزة في «اليونينيَّة». وقال البيضاويُّ: إثبات قرآنه في لسانك، وهو تعليلٌ للنَّهي (﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾) بلسان جبريل عليك (﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ قَالَ:) ابن عبَّاسٍ في تفسيره: ﴿فَاتَّبِعْ﴾ أي: (فَاسْتَمِعْ لَهُ) ولأبي الوقت: «﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾: فاستمع له» من باب الافتعال المقتضي للسَّعي في ذلك، أي: لا تكون قراءتك مع قراءته، بل تابعةً لها متأخِّرةً عنها (وَأَنْصِتْ) بهمزة القطع مفتوحةً؛ من أنصَت ينصِت إنصاتًا، وقد تُكسَر (١)؛ من نصَت يَنصُتُ نَصْتًا؛ إذا سكت واستمع للحديث، أي: تكون حال قراءته ساكتًا، والاستماع أخصُّ من الإنصات؛ لأنَّ الاستماعَ الإصغاءُ، والإنصاتَ -كما مرَّ- السُّكوتُ، ولا يلزم من السُّكوت الإصغاء (﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: ١٦ - ١٩]) فسَّره ابن عبَّاسٍ بقوله: (ثُمَّ إِنَّ


(١) كذا قال القسطلاني، ولعل مراده في همزة «أنصت» أنها قد تكون همزة وصل تكسر عند البدء بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>