فليس المرادُ به التَّحيَّة، وإن كان اللَّفظ يُشعِر به لأنَّه لم يُسْلِم، فليس هو ممَّن اتَّبع الهُدَى (أَمَّا بَعْدُ) بالبناء على الضَّمِّ لقطعه عن الإضافة المنْويَّة لفظًا، ويُؤتَى بها للفصل بين الكلامين، قال في «الفتح»: واختُلِف في أوَّل مَنْ قالها؛ فقِيل: داود ﵇، وقيل: يَعْرُبُ بن قحطان، وقِيلَ: كعب بن لؤيٍّ، وقِيلَ: قسُّ بن ساعدة، وقِيلَ: سَحْبان، وفي «غرائب مالكٍ» للدَّارقطنيِّ: أنَّ يعقوبَ ﵇ أوَّلُ مَنْ قالها، فإن ثبت وقلنا: إنَّ قحطان من ذرية إسماعيل ﵇ فيعقوب ﵇ أوَّلُ مَنْ قالها مُطلَقًا، وإن قلنا: إن قحطان قبل إبراهيم ﵇ فـ «يَعْرُبُ» أوَّلُ من قالها (فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ) بكسر الدَّال المُهملَة، ولمسلمٍ كالمؤلِّف في «الجهاد»: «بداعية الإسلام»[خ¦٢٩٤١] أي: بالكلمة الداعية إلى الإسلام؛ وهي شهادة أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، والباء بمعنى «إلى» أي: أدعوك إلى الإسلام (أَسْلِمْ) بكسر اللَّام (تَسْلَمْ) بفتحها (يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ) بالجزم في الأوَّل على الأمر، وفي الثَّاني جوابٌ له، والثَّالث بحذف حرف العلَّة جوابٌ ثانٍ له أيضًا، أو بدلٌ منه، وإعطاء الأجر مرَّتين لكونه مؤمنًا بنبيِّه، ثمَّ آمن بمحمَّدٍ ﷺ، أو من جهة أنَّ إسلامه يكون سببًا لإسلام أتباعه، وقوله:«أَسْلِمْ تَسْلَمْ» فيه غايةُ الاختصار، ونهاية الإيجاز والبلاغة، وجمع المعاني، مع ما فيه من الجناس الاشتقاقيِّ؛ وهو أن يرجع اللَّفظان في الاشتقاق إلى أصلٍ واحدٍ، وعند المؤلِّف في «الجهاد»[خ¦٢٩٤٠]: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وأسلمْ يؤتك» بتكرار «أَسْلِمْ» مع زيادة الواو في الثَّانية، فيكون الأمر الأوَّل