للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ) خولة بنت عاصم (رَسُولَ اللهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ) بالجزمِ على النَّهي (قَالَتْ: إِنَّهُ -وَاللهِ- مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا) قال كعبٌ: (فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي) قال في «الفتح»: لم أقفْ على اسمه. واستُشكلَ هذا مع نهيهِ النَّاسَ عن كلامِ الثَّلاثةِ. وأُجيب بأنَّه عبَّر عن الإشارة بالقولِ، يعني: فلم يقعْ الكلام اللِّسانيُّ وهو المنهيُّ (١) عنهُ. قاله ابنُ الملقِّن.

قال في «المصابيح»: وهذا بناء منه على الوقوفِ عند اللَّفظِ واطِّرَاح جانبِ المعنَى، وإلَّا فليسَ المقصود بعدمِ المكالمةِ عدم النُّطقِ باللِّسانِ فقط، بل المرادُ هو وما كان بمثابتِهِ من الإشارةِ المفهمةِ لِمَا يُفهِمه القول باللِّسانِ، وقد يُجابُ: بأنَّ النَّهيَ كان خاصًّا بمَن عدَا زوجة هلال ومن جرت عادته بخدمته إيَّاه من أهله، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ إنَّما حظر على زوجة هلال (٢) غشيانه إيَّاها، وقد أذِنَ لها في خدمتهِ، ومعلومٌ أنَّه لا بدَّ في ذلك من مخالطةٍ وكلامٍ، فلم يكُن النَّهيُ شاملًا لكلِّ أحدٍ، وإنَّما هو شاملٌ لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطتهِ وكلامِهِ؛ من زوجةٍ وخادمةٍ ونحو ذلك، فلعلَّ الذي قال لكعبٍ من أهلهِ (لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللهِ فِي امْرَأَتِكَ) لتخدمك (كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ) كان ممَّن لم يشملهُ النهيُّ. قال كعب: (فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ ، وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ) قويٌّ على خدمةِ نفسِي (فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى كَمَلَتْ) بفتح الميم (لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنْ كَلَامِنَا) أيُّها الثَّلاثة (فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً، وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا) بغير ميم (أَنَا جَالِسٌ عَلَى الحَالِ الَّتِي) قد (٣) (ذَكَرَ اللهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي) أي: قلبِي لا يسعُهُ أنسٌ ولا سرورٌ من فرطِ الوحشةِ والغمِّ (وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ) برحبِها، أي: مع سعتِها، وهو مَثَلٌ للحيرةِ في أمرِهِ، كأنَّه لا يجدُ فيها مكانًا يقرُّ فيه قلقًا وجَزَعًا، وإذا كان هؤلاءِ لم يأكُلُوا


(١) في (م): «النهي».
(٢) قوله: «ومن جرت عادته بخدمته إيَّاه من أهله … حظر على زوجة هلال» مثبتٌ من هامش (ج) و (ل).
(٣) «قد»: ليست في (ب) و (م).

<<  <  ج: ص:  >  >>