للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إسلامِهِ بدايةُ سعادتِهِ، ويوم توبتِهِ مكمِّلٌ لها، فهو خيرٌ من جميع أيامهِ، وإن كان يومُ إسلامِهِ خيرَها فيومُ توبتِهِ المضاف إلى إسلامهِ خيرٌ من يومِ إسلامه المجرَّد عنها (قَالَ) كعب: (قُلتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ) زاد ابنُ أبي شيبة: «أنتم صدَقتُم اللهَ فصدَقَكُم».

(وَكَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا سُرَّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول (اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ) قيل: قال: «قطعةُ قمرٍ» احترازًا من السَّوادِ الَّذي في القمرِ، أو إشارةً إلى موضعِ الاستنارةِ؛ وهو الجبينُ الذي فيه يظهرُ السُّرورُ. قالت عائشةُ [خ¦٣٥٥٥] «مسرورًا تبرقُ أساريرُ وجههِ» فكأنَّ (١) التَّشبيهَ وقعَ على بعضِ الوجهِ، فناسبَ أن يشبَّه ببعضِ القمرِ (وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ) أي: الذي يحصلُ لهُ من استنارةِ وجههِ عند السُّرورِ (فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ) (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ) أخرج (مِنْ) جميعِ (مَالِي صَدَقَةً) قال الزَّركشيُّ -وتبعه البَرْماويُّ وابن حجرٍ وغيرهما-: هي مصدر، فيجوزُ انتصابهُ بـ «أنخلع»؛ لأنَّ معنى أنخلع: أتصدَّق، ويجوزُ أن يكون مصدرًا في موضعِ الحالِ، أي: متصدِّقًا، وتعقَّبه في «المصابيح» فقال: لا نسلِّمُ أنَّ الصَّدقةَ مصدرٌ، وإنَّما هي اسمٌ لما يُتصدَّقُ به، ومنه قوله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ [التوبة: ١٠٣] وفي «الصّحاح»: الصَّدقةُ ما تُصدِّقَ به على الفُقراءِ، فعلى هذا يكونُ نصبها على الحالِ من: «مالِي» (إِلَى اللهِ وإِلَى رَسُولِ اللهِ ) أي: صدقة خالصةً لله ولرسولِ الله، فـ «إلى» بمعنى «اللَّام»، ولأبي ذرٍّ «إلى رسولِهِ» (قَالَ رَسُولُ اللهِ ) لهُ خوفًا عليه من تضرُّره بالفقرِ وعدمِ صبرهِ على القافة: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ) بكسر القاف (فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللهُ) بالموحدة الساكنة، أي: أنعَمَ عليهِ (فِي صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي) أي: ممَّا أنعم عليَّ، وفيه الأفضليَّةُ لا نفي المسَاواةِ؛ لأنَّه شاركهُ في ذلك هلالٌ ومرارة (مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيتُ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ : ﴿لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ﴾) أي: تجاوز الله ﷿ (٢) عنه إذنهُ


(١) في (م): «وكأن».
(٢) «الله ﷿»: ليست في (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>