للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فالمرادُ بالتَّيسر (١) في الآيةِ غير المراد بهِ في الحديثِ؛ لأنَّ الَّذي في الآيةِ المرادُ بهِ القلَّة والكثرة، والَّذي في الحديثِ ما يستحضرهُ القارئُ من القراءاتِ، فالأوَّل من الكميَّة والثَّاني من الكيفيَّة (٢).

وقد وقعَ لجماعةٍ من الصَّحابة نظيرُ ما وقعَ لعمر مع هشام؛ منها لأبيِّ بنِ كعب مع ابنِ مسعودٍ في سورةِ النَّحل، وعَمرو بن العاص مع رجلٍ في آيةٍ من القرآنِ. رواه أحمد، وابن مسعود مع رجل في سورةِ من آل حم. رواه ابن حبَّان والحاكم، وأمَّا ما رواهُ الحاكمُ عن سمرة رفعه: «أنزلَ القرآنُ على ثلاثةِ أحرفٍ» فقال أبو عبد اللهِ: تواترتِ الأخبارُ بالسَّبعةِ إلَّا في هذا الحديثِ.

قال أبو شامةَ: يحتملُ أن يكون بعضهُ أنزلَ على ثلاثةِ أحرفٍ كجذوة والرَّهب، أو أرادَ أنزلَ ابتداءً على ثلاثةِ أحرف، ثمَّ زيد إلى (٣) سبعة توسعةً على العبادِ، والأكثر أنَّها محصورةٌ في السَّبعة، وهل هي باقيةٌ إلى الآنِ يقرأُ بها أم كان ذلك ثمَّ استقرَ الأمرُ على بعضها؟ وإلى الثَّاني ذهبَ الأكثرُ، كسفيانَ بن عيينةَ وابنِ وهبٍ والطَّبريِّ والطَّحاويِّ، وهل استقرَّ ذلك في الزَّمنِ النَّبويِّ أم بعده؟ والأكثرُ على الأوَّل (٤)، واختارهُ القاضِي أبو بكر بن الطَّيب، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ العربيِّ وغيرهم؛ لأنَّ ضرورةَ اختلافِ اللُّغات ومشقَّةَ نطقهم بغير لغتِهم اقتضَتْ التَّوسعة عليهم في أوَّل الأمرِ، فأذنَ لكلٍّ أن يقرأَ على حرفهِ؛ أي: طريقتهِ في اللُّغة إلى أن انضبطَ الأمرُ وتدرَّبت الألسنُ، وتمكَّن النَّاس من الاقتصارِ على الطَّريقة الواحدةِ، فعارضَ جبريلُ النَّبيَّ القرآنَ مرَّتين في السَّنةِ الأخيرةِ، واستقرَّ على ما هو عليه الآن، فنسخَ اللهُ تعالى تلك القراءةَ المأذون فيها بما أوجبهُ من الاقتصارِ على هذهِ القراءةِ الَّتي تلقَّاها النَّاس.

ويشهدُ له ما عندَ التِّرمذيِّ عن أبيٍّ: أنَّه قال لجبريل: «إنِّي بُعثتُ إلى أمَّةٍ أميَّة فيهم الشَّيخ الفانِي، والعَجوز الكبيرة، والغُلام. قال: فمرهُم أن يقرؤوا على سبعةِ أحرفٍ» وفي بعضِها كقولهِ: هلمَّ وتعالَ وأقبلْ وأسرعْ واذهب واعجل، لكنَّ (٥) الإباحةِ المذكورةِ لم تقع


(١) في (م): «بالتيسير».
(٢) قوله: «فالمراد بالتيسر في الآية … والثاني من الكيفية»: ليس في (د).
(٣) في (م): «على».
(٤) في (د): «والأول الأكثر».
(٥) في (م) و (د): «لأن».

<<  <  ج: ص:  >  >>