والشفاء مرارا وكتب بخطه الكثير من نسخ البخاري كتابة جيدة مضبوطة قائمة الأعراب وكان بارعا في العربية وكان خطيبا بليغا وصنف في الخطب ولي قضاء الرملة استقلالا في سنة ثمان وثمانمائة ولم يعلم أن حنبليا قبله وليها ثم ولي قضاء القدس الشريف في أواخر دولة الملك الأشرف برسباي في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة بعد شغوره نحو تسع عشرة سنة عن شيخه قاضي القضاة عز الدين البغدادي - المتقدم ذكره - فهو ثاني حنبلي حكم بالقدس ثم لما توفي الأشرف عزل عن قضاء القدس وولي قضاء الرملة.
ثم أعيد إلى قضاء القدس في دولة الملك الظاهر جقمق في أحد الجمادين سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وأقام به عشرين سنة متوالية وأضيف إليه قضاء الرملة ثم أضيف إليه قضاء بلد سيدنا الخليل ﵊ في المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وهو أول حنبلي ولي بلد الخليل ﵊ وباشر الحكم نيابة بدمشق المحروسة وولي قضاء صفد مضافا إلى قضاء الرملة في دولة الملك الأشرف اينال وامتنع من مباشرتها واختار الإقامة ببيت المقدس.
وكان خيرا متواضعا حسن الشكل متبعا للسنة كثير التعظيم للأئمة الأربعة ليس عنده تعصب وكان سخيا مع قلة ماله مكرما لمن يرد عليه لا يحب الفخر ولا الخيلاء ويدخل إلى المسجد الأقصى الشريف في أوقات الصلاة بمفرده مع ما كان عليه من الهيبة والوقار وله معرفة تامة بالمصطلح في الاحكام وكتابة المستندات وباشر القضاء بالأعمال المذكورة وأفتى نحو أربعين سنة وكانت احكامه مرضية وأموره مسددة ومات وهو باق على أبهته ووقاره لم يمتحن ولم يهن.
ومن أعظم محاسنه التي ذكرت له في الدنيا ويرجى له بها الخير في الآخرة أن بالقدس الشريف كنيسة النصارى مجاورة لكنيسة قمامة بلصق الصومعة من جهة القبلة وبناؤها محكم ولها قبة عالية البناء وكان النصارى يجتمعون فيها