وثلاثمائة فلقي فيها أكابر العلماء وأخذ عنهم، فقرأ القرآن على الإمام ابن مجاهد، والنحو والأدب على أبي بكر ابن دريد وأبي بكر ابن الأنباري ونفطويه، وأخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد، وسمع من محمد بن مخلد العطار وغيره، وقرأ على أبي سعيد السيرافي وأخذ عنه المعافى بن زكريا النهرواني وآخرون، وانتقل إلى الشام ثم إلى حلب فاستوطنها ونفق بها سوقه وتقدم في العلوم حتى كان أحد أفراد عصره، وكانت الرحلة إليه من الآفاق، واختصّ بسيف الدولة بن حمدان فحظي لديه ونفق عليه وأفضل عليه أفضالا، وعاش في بلهنية إلى أن مات في سنة احدى وسبعين وثلاثمائة، وقرأ عليه آل حمدان وكانوا يجلونه ويكرمونه فانتشر علمه وفضله وذاع صيته، وله مع أبي الطيب المتنبي مناظرات.
ودخل يوما على سيف الدولة فلما مثل بين يديه قال له: اقعد ولم يقل اجلس، قال ابن خالويه: فعلمت بذلك اعتلاقه بأهداب الأدب، واطّلاعه على أسرار كلام العرب. (قلت: قال ابن خالويه هذا لانه يقال للقائم اقعد وللنائم والساجد اجلس) .
وقال أبو عمرو الداني في «طبقات القراء» : كان ابن خالويه عالما بالعربية حافظا للغة بصيرا بالقراءة ثقة مشهورا روى عنه غير واحد من شيوخنا: عبد المنعم بن غلبون والحسن بن سليمان وغيرهما.
وروي أنّ رجلا جاء إلى ابن خالويه وقال له أريد أن أتعلّم من العربية ما أقيم به لساني فقال: أنا منذ خمسين سنة أتعلم النحو فما تعلمت ما أقيم به لساني.
وذكر ابن خالويه في «أماليه»[١] أن سيف الدولة سأل جماعة من العلماء بحضرته ذات ليلة: هل تعرفون اسما ممدودا وجمعه مقصور فقالوا لا، فقال لي: ما تقول أنت؟ قلت: أنا أعرف اسمين، قال: ما هما؟ قلت: لا أقول لك إلا بألف درهم لئلا تؤخذ بلا شكر وهما صحراء وصحارى وعذراء وعذارى.
وقال: سمعت ابن الأنباري يقول: اللئيم الراضع الذي يتخلّل ويأكل خلاله.
وقال: حدثنا نفطويه عن أبي الجهم عن الفراء أنه سمع أعرابيا يقول: قضت
[١] ينقل ابن العديم عن أمالي ابن خالويه في أماكن مختلفة من بغية الطلب، وقد وردت هذه القصة في ١: ٢٤.