للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ. وكان سلطان بخارى نوح بن منصور قد مرض في تلك الأيام مرضا عجز عنه أطباؤه، وكان اسمي قد اشتهر بينهم فحضرني وشكرني في مداواته وصلح. فسألته يوما الإذن لي في دخول دار كتبهم ومطالعتها فأذن لي فدخلت دارا عظيمة فيها كتب كثيرة تفوت العدّ والحصر، وطالعت كتب الحكمة التي بها ووقع لي بها ما لم أكن رأيت قبلها ولا بعدها، وظفرت بفوائدها. فلما بلغت ثماني عشرة سنة أتقنت هذه العلوم كلّها. وكان في جيراننا رجل يقال له أبو الحسن العروضي [١] يسألني أن أصنّف له كتابا جامعا في هذه العلوم، فصنفت له المجموع، وسميته به، وأتيت فيه على جميع العلوم، ولي حينئذ إحدى وعشرون سنة، وصنّفت كتاب «الحاصل والمحصول» في قريب من عشرين مجلدة. وصنفت في الأخلاق كتابا سمّيته كتاب «البر والإثم» وهذان الكتابان قلّ أن يوجدا. ثم مات والدي وتصرفت في أعمال السلطان، ودعتني الضرورة إلى الانتقال عن بخارى إلى كركانج، وأبو الحسن السهلي المحبّ لهذه العلوم بها وزير، ثم انتقلت إلى نسا وقصدت الأمير قابوس بن وشمكير صاحب جرجان فاتفق أني وصلتها وقد مات، فرجعت إلى دهستان [٢] ، ثم عدت إلى جرجان، وأنشأت في حالي قصيدة شعر منها:

لما عظمت فليس مصر واسعي ... لما [٣] غلا ثمني عدمت المشتري

ولأبي علي أشعار منها:

تنفس عن عذارك صبح شيب ... وعسعس ليله فلم التصابي

شبابك كان شيطانا رجيما ... فيرجم من مشيبك بالشهاب

وكان بجرجان رجل يقال له أبو محمد الشيرازي أنزل الرئيس في دار له في جواره، فصنّف له كتاب «المبدأ والمعاد» وكتاب «الأرصاد» . وصنف كتبا كثيرة كأول «القانون» و «مختصر المجسطي» وكثيرا من الرسائل. ثم صنف في أرض الجبل بقية كتبه، ثم انتقل إلى الري، واتصل بخدمة السيدة وابنها مجد الدولة،


[١] عيون الأنباء: أبو الحسين العروضي.
[٢] ر: دهيان.
[٣] ر: حتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>