للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقي هناك أربعة أشهر حتى قصد علاء الدولة همذان وأخذها، وهزم تاج الملك، ومضى إلى تلك القلعة بعينها، ورجع علاء الدولة عن همذان، وعاد تاج الملك وابن شمس الدولة إلى همذان، وحملوا معهم أبا علي فأقام هناك، وخرج متنكرا وأنا وأخوه وغلامان في زيّ الصوفية إلى أصبهان، واستقبلنا أصحاب علاء الدولة والوجوه، وحمل إلينا الثياب والمال، وأنزلنا أكرم منزل. وكان يحضر مجلس المناظرة بين يدي علاء الدولة، فما كان يطاق في شيء من العلوم. واختص بعلاء الدولة وصار من ندمائه. وكان الشيخ يوما بين يدي الأمير وأبو منصور الجبائي حاضر فجرى في اللغة مسألة تكلم الشيخ فيها بما حضره، فالتفت إليه الشيخ أبو منصور، وقال له: أنت فيلسوف وحكيم، وليس الكلام في هذا من صناعتك، فاستنكف الشيخ من هذا الكلام، وتوفر على درس كتب اللغة ثلاث سنين، واستدعى كتاب «تهذيب اللغة» من تصنيف أبي منصور الأزهري من خراسان، فبلغ الشيخ في اللغة طبقة قلّما يتفق مثلها، وصنّف ثلاثة كتب وكتبها: أحدها على طريقة ابن العميد، والثاني على طريقة الصاحب، والثالث على طريقة الصابي، وجلّدها وأخلق جلودها. وسأل الأمير عرض تلك المجلدات على أبي منصور الجبائي، وذكر أنه ظفر بتلك المجلدات في الصحراء وقت الصيد، فنظر فيها الجبائي، وأشكل عليه كثير مما فيها. فقال له الشيخ: إن الذي جهلته من هذا الكتاب مذكور في الكتاب الفلاني من كتب اللغة، وذكر له كتبا معروفة، ففطن الجبائي لما أريد، وأن الذي حمله على ذلك ما جبهه به فتنصل واعتذر إلى الشيخ، ثم صنّف الشيخ كتابا في اللغة سماه «لسان العرب» لم يصنف في اللغة مثله، ولم ينقله إلى البياض حتى توفي، فبقي على مسوّدته لا يهتدي أحد إلى موضعه [١] .

وكان قد حصل له تجارب كثيرة فيما باشره من المعالجات عزم على تدوينها في كتاب «القانون» وكان قد علّقها على أجزاء، فضاعت قبل تمام الكتاب، منها أنه صدّع يوما فتصوّر أنه من مادة تريد النزول إلى حجاب رأسه، وأنه لا يأمن ورما يحصل فيه. فأمر بإحضار ثلج كثير ودقّه ولفّه في خرقة، وغطىّ رأسه بها، فعل ذلك حتى


[١] عيون الأنباء: ترتيبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>