الأجر وطلابه، ورضى الله عز وجل واكتسابه، والامتعاض من أن ينازع في الالهية، أو يضاهى في الربوبية، أنّسه بناحيته فاسترسل، وحبّبه بالمصير إلى حضرته فتعجّل، ففحص أمير المؤمنين عنه ووكل [إليه] همه، ففتش أمره تفتيش الحائط للمملكة، المحامي عن الحوزة، القائم بما فوّضه الله إليه من رعاية الأمة، ووقف أمير المؤمنين على أنه لم يزل يدخل على العقول من كلّ مدخل، ويتوصّل إلى ما فيها من كلّ متوصّل، ويعتزي إلى الملّة وهو لا يعتقدها، وينتمي إلى الخلّة وهو عار منها، ويدّعي العلوم الإلهية وهو عم عنها، ويتحقّق استخراج الحكم الغامضة وهو جاهل بها، ويتّسم بالقدرة على المعجزات وهو عاجز عن ممكن الأشياء ومتهيئها، وينتحل التقيّة في دين آل محمد وهو يضمر التبرؤ منها، ويشنأه ويسبّه صلى الله عليه وسلم ويعضهه، ترمق ظاهره العيون، فتنصرف عنه الظنون، إلى أن دلّ بالحيلة، والمكر والغيلة، على قوم من ذوي الجدة واليسار، والثروة والاحتكار، قد أترفهم النعيم فبطروا، وألهاهم فأشروا، ولجّجهم في بحار اللذة، فتولجوها على كلّ علة، والتمسوا في ذلك رخصة يجعلونها لأنفسهم عمدة وعصمة، وآخرين لا جدة عندهم ولا سعة، قد قويت شهواتهم، وضعفت حالاتهم، فهم يطلبون أقواتهم بالحقّ والباطل، ويخوضون في نيلها مع الجادّ والهازل، فأباحهم المحظورات، وأحلّ لهم المحرّمات، وامتطى لهم مركب الغرور، وتهوّر بهم غايات الأمور، ولم يدع فنّا من الفنون [المردية] ولا نوعا من الأنواع المخزية، إلّا فسح لهم فيه، وشحذ عزائمهم عليه، حتى ادّان له واتّبعه وأطاعه وشايعه خلق رين على قلوبهم فهم لا يفقهون، وضرب على آذانهم فهم لا يسمعون، وغطّي على أعينهم فهم لا يبصرون، وحيل بينهم وبين الرشد فهم لا يرعوون، وأنسوا التدبر والتفكر في خلق أنفسهم، والسماء التي تظلّهم، والأرض التي تقلّهم، فأصفقوا بأجمعهم على أنه خالقهم وربهم ورازقهم ومحييهم، يحلّ فيما شاء من الصور، ويحدث ما شاء من الغير، ويفعل ما يريد، ولا يعجزه قريب ولا بعيد، وادّعوا له الدعاوى الباطلة، وزعموا أنهم عاينوا منه الآيات المعضلة. واستظهر أمير المؤمنين بأن تقدم إلى أبي عليّ بمواقفة هذا اللعين على تمويهاته وقبائح تلبيساته لتكون إقامة أمير المؤمنين حدّ الله عليه بعد الإنعام في الاستبصار، وانكشاف الشّبهة فيه عن القلوب والأبصار، فتجرّد أبو علي في ذلك