لأبي الفتوح بمائة ألف دينار ليصون بها تركته والودائع التي عنده. فحمله أبو القاسم على أخذ الجميع؛ وخطب [أبو الفتوح] لنفسه بمكة، وسار حتى لحق بآل الجراح. ولما قرب من الرملة تلقّاه المفرج وسائر العرب، وقبّلوا الأرض بين يديه، وسلّموا عليه بامرة المؤمنين، ولقيهم راكبا فرسا متقلدا سيفا زعم أنه ذو الفقار، وفي يده قضيب، زعم أنه قضيب النبي صلى الله عليه وسلم، وحوله جماعة من بني عمه، وألف عبد أسود، وخطب له بالرملة وما لاصقها. ثم بلغ الخبر الحاكم فأرسل الأموال إلى آل الجراح، واستفسدهم بما بذل لهم، وبلغ ذلك أبا الفتوح، فدخل إلى المفرج وسأله إعانته على العود إلى مكة، فأنفذ معه من حمله إلى وادي القرى، فتلقّاه أصحابه، ومضوا به. وقيل: إنه ندم بعد ذلك، فتركه المغربي وقصد العراق على طريق السماوة حتى وصل الأنبار، وقصد فخر الملك أبا غالب محمد بن خلف، وهو يومئذ يتولى العراق من قبل بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة، فاتهمه القادر بالله أنه ورد في إفساد الدولة، فراسل فخر الملك حتى أخرجه من واسط، وكان قد أقام عنده مكرما. فلما توفي فخر الملك مقتولا عاد الوزير المغربيّ إلى بغداد، ثم شخص إلى الموصل، فاتفق وفاة أبي الحسن ابن هانىء كاتب قرواش أمير بني عقيل فتولّى الكتابة مكانه ووزر لقرواش. وسمت نفسه إلى وزارة بغداد فلم يزل يراسل فيها حتى تمّت له، فوزر لشرف الدولة أبي علي بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة فناخسرو بن بويه سنة أربع عشرة ومائة بغير خلع ولا لقب، وبقي في الوزارة عشرة أشهر وخمسة أيام. فشغب الأمراء عليه، وطالبوه بأقساطهم، فاستشعر منهم وهرب ليلا حتى لحق بعريب بن مقن العقيلي. ومضى من فوره إلى ميّافارقين، واتصل بنصير الدولة أبي نصر ابن مروان صاحب ديار بكر، فوزر له، ومات بميافارقين وهو وزيره.
وكتب إلى أصحاب الأطراف ما بينه وبين الكوفة قبل موته بأن حظيّة له قد ماتت، وقد نقلها إلى الكوفة، وأوصى أصحابه إذا مات أن يحملوه إلى الكوفة فحمل، فكان إذا وصل التابوت إلى أحد الأمراء يعطونه الكتاب فيكرم أصحاب الجنازة، ويسيرها وهو يظنها حظيته حتى وصل إلى الكوفة، فدفن بها في تربة مجاورة لمشهد علي رضي الله عنه وإنما فعل ذلك خوفا أن يمنع من الإجازة لسوء فعله، وحقد الأمراء عليه. وتمّ تدبيره عليهم، وبلغ مراده بعد مماته، وأوصى أن يكتب