واتفق أن حضر بمصر جماعة من شرفاء الحجاز على عادة لهم كانت بالحضور بمصر للاستجداء وطلب الصلة، فوصلهم الحاكم بما جرت عادتهم، وخرجوا إلى ظاهر القاهرة مبرزين قصدا للعود إلى بلادهم، وبلغ ذلك أبا القاسم فسيّر من اشترى له مهريا مثل جمالهم، ولبس لبسهم، وخرج حتى اختلط بهم وهو متلثم. وخرج الحاكم لوداعهم، فتقدموا إليه وخدموه واستأذنوه في الرحيل، فقال لهم: امضوا على بركة الله. وكان في من تقدم إليه أبو القاسم، فلما رأى مشيته قال لواحد من جانبه:
ما أشبه مشية هذا الشريف بمشية ابن المغربي. ورحلوا ورحل معهم.
قال الصاحب: فبلغني أن ابن المغربي فارق الجماعة، وجلس في جبل المقطم بموضع يقال له: الجبل الأحمر حتى ركب الحاكم على عادة كانت له منفردا مع غلامين له إلى ذلك الجبل، فلقيه أبو القاسم في جماعة ممن كان يثق إليهم، وقد خرجوا إليه معدين، فلما رآهم الحاكم خاف واستشعر وعرف أبا القاسم المغربي.
فقال له: يا أبا القاسم: غدرت بك. فقال: لا بأس عليك. وإنما أحببت أن لا أفارقك حتى أواقعك على غدرك، أما أعطيتني موثقا من الله أن لا تسيء إلى تلك الحرمة المسكينة؟ فقال: حملني الغضب عليك لكونك فارقتني بغير إذن، وقد حلفت ألا تفعل إلا بأمري وإرادتي. فقال له: أما أنا فما فارقتك حتى استأذنتك.
فقال له: ومتى استأذنتني؟ قال: في يوم كذا لما أذنت للشرفاء فإني تقدمت حتى سمعت خطابك، وأنت تقول: امضوا مصاحبين على بركة الله، فدخلت في العموم. فقال له الحاكم: إذا كنت قد خرجت من هذه بحجة فلك عليّ عهد الله أن أطلق أختك وألحقها بك فتركه المغربي، وتوجه إلى العراق، ورجع الحاكم إلى القاهرة وجهز خلفه من يردّه، فلم يظفر به حتى لحق ببني الجراح وأغراهم بخلع الحاكم، وقتل المتولي لبلاد الشام منجوتكين. وبلغ الحاكم خبره وما أزمع عليه من قلب دولته، ومضيه إلى أبي الفتوح، فكتب الحاكم إلى أبي القاسم أمانا بخطه، وأتبعه بيمينه، وأيده بتوثقة، وبذل له فيه البذول، ووعده بوزارته ومؤازرته، وبسط القول في ذلك غاية جهده وطاقته، فكان جواب الوزير أبي القاسم أن أخذ رقعة، وكتب فيها: