واجب الشرع وحسّنه أدب الديانة، فمباح الله أحقّ أن يتبع، وإياك أن تكون ممن إذا حرم اختياره تسخط اختيار القدر له، والسلام.
قال ابن سهلويه: فلما عدت من مدينة السلام إلى الري عرضتها على الصاحب، كافي الكفاة، فاستحسن المغزى، وقال: قد أصاب غرة الهدف في المرمى، وقرطس ثغرة الغرض في المعنى، ولكنّ في ألفاظه لينا، وفي عبارته ضعفا، ثم قال لي ولجماعة من كتابه على سبيل الامتحان: اكتبوا رقعة إلى رجل آخر دعته الضرورة إلى تزويج أمه، فلما قرر الأمر، وأمضى العقد ندم وتذمم، وهمّ بأن يهيم على وجهه، ولفّ رأسه حياء من فعله. فتفادت الجماعة من ذلك، وضمنت إنشاءها، وعملت الرسالة على ما اقترحه عليّ، وبكرت إليه والشمس لم تجلّل الأرض بضيائها، ولم تخلع عليها صفرة ردائها، فلما قرأها أعجب بها جدا، وقرظني بما لا أرى [وجها] في إعادة ذكره فأكون كمن يزهى بما يصدر عن صدره، فيقال:
فلان كالمفتون بابنه وبشعره؛ والرسالة: قد عرفت، أعزك الله، ما شكوته مما اتفق عليك من حادثة الزمن الصماء، ونائبة الغير الشنعاء، ووقعت على ما قلت من أن أمّ طبق طرّقت إليك ببكرها، وبنت الدهر برزت إليك من خدرها، فسعّرت جوانبك لهيبا، وملأت جوانحك ندوبا، حين أحوجتك إلى تزويج كبيرتك على طريق الاقتار، وأوجبت عليك ضمّها إلى كفء كريم من بني الأحرار، وإنك رأيت ذلك عارا تجلل لباسه، وشنارا أعيا عليك مراسه، وإنك تحسب ان دون محو هذه الغضاضة شيب المفارق، وأن وصمتها لا ترّحض عنك بأشنان بارق، حتى خفّ عليك أن تضع كفك في يد الدهر، وطاب لك التفصي من العمر، وتصورت أن العيش مع الذام عدل الموت الزؤام، فهممت أن تنفض يدك مما أنت فيه من عيش ندي ناعم الأطراف، وعمر هنيء سائغ القطاف، ووددت بأن تلحق بمنقطع التراب، فلا تأتي أهلك إلا بعد شمط الغراب، راضيا بأن تتقلب في الأبارق على الرمضاء، وتدور في الأجارع مع الشمس كالحرباء، وأن تحصل بحيث لا تحسّ بنبأة من إنسان، ولا تأنس إلا بعزيف الجنان، وتقتصر من طعامك على كشى الضباب، بل على سفّ التراب. وتجعل كفّك قيعة للأبوال، فتتجرعها عوضا عن الماء الزلال، كلّ ذلك لكيلا يقع طرفك على معيّر شامت، ومستهزىء متهافت. وهذا الذي استشعرته مما لا أرتضيه من عقلك