للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرصين، ورأيك الوثيق، فإن فيما أتيته ضروبا من المصالح وفنونا من المرافق، فمنها أنك سترت عورة واستفدت طهرا وعصمة، وقضيت لمن ارتكضت في حشاها ذماما وحرمة، ومنها أنك نزّهت نفسك عن التوسم بالعقوق للذهاب مع الأنفة، وصنتها عن أن تتبع فيها المقالة للائمة، لا سيما وفيها علالة من الشباب تنطلق معها ألسنة الاغتياب، فلا تملكنك دواعي الهمّ والحسرة، فقد جدع الحلال أنف الغيرة.

وإن ساءتك هذه الحال من جانب إنها لتسرّ من جوانب، وكذاك رياح الأيام تختلف فتارة تهب شمائل وأخرى جنائب. جعل الله عز وجل نعمه عليك مصفّاة من سوء يكدرها، ومواهبه لديك مبرأة من شائبة ترنّقها، وجعل ما يوليك بعدها جامعا للعزّ الأشد والنظر الأشوس، وحرسه عما يغري القذى بطرفك، ويوكل الأذى بلبّك، بمنّه وسعة طوله.

ولما مات الصاحب قال أبو العلاء ابن سهلويه يرثيه [١] :

يا كافي الملك ما أوفيك حقك [٢] من ... وصفي وإن طال تمجيد وتأبين

فتّ الصفات فما يرثيك من أحد ... إلا وتزيينه إياك تهجين

سقى الحيا قبرك الثاوي بمصرعه ... ليث وغيث وصمصام وتنّين

بناظريّ ثرى أرض حللت بها ... فردا وفرشك فيه الترب والطين

ما متّ وحدك لا بل مات من ولدت ... حوّاء طرا بل الدنيا بل الدين

تبكي عليك العطايا والصلات كما ... تبكي عليك الرعايا والسلاطين

هذي نواعي العلا قد قمن [٣] نادبة ... أضعاف ما ندبتك الخرّد العين

لم يبق للسؤدد اسم مذ نأيت ولا ... للجود رسم ولا للمجد آيين [٤]


[١] أورد الثعالبي هذه الأبيات في اليتيمة (٣: ٢٨٤) ونسبها لأبي القاسم ابن أبي العلاء الأصبهاني، ثم ترجم في الكتاب نفسه (٣: ٣٢٤) لمن اسمه أبو القاسم غانم بن أبي العلاء الأصبهاني، ولا يتضح من هذا صلة هذا الشاعر بابن سهلويه أبي العلاء، وبعض هذه الأبيات ورد في ترجمة الصاحب ابن عباد.
[٢] اليتيمة: ما وفيت حظك.
[٣] اليتيمة: مذ مت.
[٤] لم يرد هذا البيت في اليتيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>