للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيدي ما بك؟ فقال: حبّ من تعلم أورثني ما ترى، فقلت: ما يمنعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع نوعان محظور ومباح، أما المحظور فمعاذ الله منه، وأما المباح فهو الذي صيّرني إلى ما ترى. ثم قال: حدثني سويد بن سعيد الحدثاني عن أبي يحيى القتّات عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

«من حبّ فعفّ وكتم ثم مات مات شهيدا» [١] ؛ ثم غشي عليه ساعة وأفاق ففتح عينيه، فقلت له: أرى قلبك قد سكن، وعرق جبينك قد انقطع، وهذا أمارة العافية، فأنشأ يقول:

أقول لصاحبّي وسلّياني ... وغرّهما سكون حمى جبيني

تسلّوا بالتعزي عن أخيكم ... وخوضوا في الدعاء وودّعوني

فلم أدع الأنين لضعف سقم ... ولكنّي ضعفت عن الأنين

ثم مات من ليلته وذلك في سنة سبع وتسعين ومائتين، فيقال إن نفطويه تفجع عليه وجزع جزعا عظيما، ولم يجلس للناس سنة كاملة، ثم ظهر بعد السنة فجلس، فقيل له في ذلك فقال: إن أبا بكر ابن داود قال لي يوما وقد تجارينا حفظ عهود الأصدقاء، فقال: أقلّ ما يجب للصديق أن يتسلّب على صديقه سنة كاملة عملا بقول لبيد [٢] :

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

فحزنّا عليه سنة كاملة كما شرط.

قال المؤلف لهذا الكتاب: وأخبار أبي بكر ابن داود كثيرة مليحة رائقة، وقد أفردنا له بابا في هذا الكتاب فقف عليه تطرب وتعجب [٣] .


[١] عده ابن حزم- وهو العارف بالحديث- اثرا (رسائل ابن حزم ١: ٢٥٧) وقد وهنه ابن القيم (زاد المعاد ٣: ٣٢٤) واعتبره ابن الجوزي صحيحا (ذم الهوى: ٣٢٦) وانظر الموشى: ٧٥ وتزيين الأسواق ١: ٦.
[٢] شرح ديوان لبيد: ٢١٤.
[٣] سقطت ترجمة ابن داود من كتاب معجم الأدباء المطبوع وسأثبتها في موضعها (رقم: ١٠٤٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>