للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن يونس بن حبيب النحوي قال قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطبيب لا يحسن أن يهجو، فقال: لا تقل ذاك، فو الله ما أبى عن عيّ، ولكنه كان يترفّع عن الهجاء ويراه ضعة كما يرى تركه مروءة وشرفا، ثم قال:

وأجرأ من رأيت بظهر غيب ... على عيب الرجال أولو العيوب

وحدّث شبيب بن شبة [١] عن خالد بن صفوان قال: أوفدني يوسف بن عمر الثقفي إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق، فقدمت عليه وقد خرج متبديا بأهله وقرابته وحشمه وجلسائه وغاشيته، فنزل في أرض قاع صحصح متنايف أفيح، في عام قد بكر وسميّه وتتابع وليّه وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق، فهو في أحسن منظر ومخبر وأحسن مستمطر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب، وقد ضرب له سرادق من حبر كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن، فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خزّ أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر، مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم، فأخرجت رأسي من ناحية السماط، فنظر إليّ مثل المستنطق لي فقلت: أتمّ الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه وسوغكها بشكره، وجعل ما قلّدك من هذا الأمر رشدا، وعاقبة ما تؤول إليه حمدا، وأخلصه لك بالتقى، وكثره لك بالنما، ولا كدّر عليك منه ما صفا، ولا خلط سروره بالردى، فلقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا، إليك يفزعون في مظالمهم، وإياك يقصدون في أمورهم، وما أجد يا أمير المؤمنين- جعلني الله فداءك- شيئا هو أبلغ في قضاء حقّك وتوقير مجلسك وما منّ الله به عليّ من مجالستك والنظر إلى وجهك من أن أذكّرك نعمة الله عليك، فأنبهك على شكرها، وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته، وكان متكئا فاستوى قاعدا وقال: هات يا ابن الأهتم، فقلت: يا


[١] الأغاني ٢: ١١٣- ١١٥ وتهذيب ابن عساكر ٥: ٥٧- ٥٩ (وهناك رواية أخرى ٥٩- ٦٠ عن الجليس الصالح) وانظر عيون الأخبار ٢: ٣٤١ والامامة والسياسة ٢: ١٠٥ والمصباح المضيء ٢: ١١٠ والتذكرة الحمدونية ١: ١٥٤- ١٥٦ والذهب المسبوك: ١٨٣- ١٨٦ وقصيدة عدي في ديوانه: ٨٤ (وفيه تخريج كثير) .

<<  <  ج: ص:  >  >>