أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق والسدير، في عام قد بكّر وسميّه وتتابع وليّه، وأخذت الأرض زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق في أحسن منظر وأحسن مخبر، بصعيد كأن ترابه قطع الكافور، وقد كان أعطي فتاء السنّ مع الكثرة والغلبة والقهر، فنظر فأبعد النظر فقال لمن حوله: هل رأيتم مثل ما أنا فيه؟ وهل أعطي أحد مثل ما أعطيت؟ فكان عنده رجل من بقايا حملة الحجّة والمضيّ على أدب الحق ومنهاجه، ولم تخل الأرض من قائم لله بالحجة في عباده فقال أيها الملك، إنك سألت عن أمر أفتأذن في الجواب عنه؟ قال: نعم، قال أرأيت هذا الذي أنت فيه: أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثا، وهو زائل عنك، وصائر إلى غيرك كما صار إليك ميراثا من لدن غيرك؟
قال: كذلك هو. قال: فلا أراك إلا أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا وتغيب عنه طويلا، وتكون غدا بحسابه مرتهنا. قال: ويحك فأين المهرب وأين المطلب؟ قال:
فإما أن تقيم في ملكك وتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرّك ومضّك وأرمضك، وإما أن تضع تاجك وتخلع أطمارك وتلبس مسوحك، وتعبد ربك في جبل حتى يأتيك أجلك. قال: فإذا كان السحر فاقرع عليّ بابي فإني مختار أحد الرأيين، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا يعصى، وإن اخترت خلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا يخالف. فلما كان السحر قرع عليه بابه، فإذا قد وضع تاجه وخلع أطماره ولبس المسوح وتهيأ للسياحة، فلزما والله الجبل حتى أتاهما أجلهما، فذلك حيث يقول أخو بني تميم عديّ بن زيد العبادي: