للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك عنه فبابه مهجور

وتذكّر ربّ الخورنق إذ أش ... رف يوما وللهدى تفكير

سرّه ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضا والسدير

فارعوى قلبه وقال وما ... غبطة حيّ إلى الممات يصير

ثم بعد الفلاح والملك والنع ... مة وارتهم هناك قبور

ثم صاروا كأنهم ورق ج ... فّ فألوت به الصّبا والدّبور

قال: فبكى هشام حتى اخضلت لحيته وبلت عمامته، وأمر بنزع أبنيته ونقل قرابته وأهله وحشمه وجلسائه وغاشيته، ولزم قصره. فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان فقالوا: ما أردت بأمير المؤمنين؟ نغصت عليه لذته وأفسدت مأدبته.

فقال لهم: إليكم عني فإني عاهدت الله عز وجل ألا أخلو بملك إلا ذكّرته الله عز وجل.

وتقدم في ترجمة حميد الأرقط [١] من كلام أبي عبيدة أن خالد بن صفوان مع فضله وجلالته أحد بخلاء العرب الأربعة: روي [٢] أنه أكل يوما خبزا وجبنا، فرآه أعرابيّ فسلم عليه، فقال له خالد: هلمّ إلى الخبز والجبن فإنه حمض العرب، وهو يسيغ اللقمة ويفتق الشهوة وتطيب عليه الشربة، فانحطّ الأعرابي فلم يبق شيئا منهما، فقال خالد يا جارية زيدينا خبزا وجبنا، فقالت: ما بقي عندنا منه شيء، فقال خالد: الحمد لله الذي صرف عنا معرته، وكفانا مؤونته، والله إنه ما علمته ليقدح في السنّ، ويخشّن الحلق، ويربو في المعدة، ويعسر في المخرج. فقال الأعرابي: والله ما رأيت قط قرب مدح من ذمّ أقرب من هذا.

ومن حكم خالد بن صفوان [٣] :

إن جعلك الأمير أخا فاجعله سيدا، ولا يحدثنّ لك الاستئناس به غفلة عنه ولا تهاونا.


[١] انظر الترجمة رقم: ٤٣٩.
[٢] تهذيب ابن عساكر: ٦٢- ٦٣ وخطب خالد: ٦٢.
[٣] تهذيب ابن عساكر ٥: ٦٣ وقارن بما ورد في التذكرة الحمدونية ١: ٣٢٧ (رقم ٨٨٥/٢) وفيه تخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>