الكتب، وعلماء الفرس تدّعي مشاركتهم في هذه الفضيلة، ويزعمون أن لغتهم كانت منتشرة ذاهبة في الضياع على غير نظام، إلى أن ظهر بجمعها بعد انتشارها فيلسوف دولة الإسلام الخليل بن أحمد الفرهودي، ومن الفرس كان أصله لأنه من فراهيد اليمن، وكانوا من بقايا أولاد الفرس الذين فتحوا بلاد اليمن لكسرى. وكان جدّ الخليل من أولئك، فضمه إلى وهرز لتدبير جيشه، وحصل باليمن فتناسل بها أولاده، وصاهروا قبائل الأزد، فادعاهم الأزد، وبالبلدية والقرابة ضم الخليل سيبويه إلى نفسه حتى خرّجه، فمن أجل أنّ الخليل كان من الفرس صارت لنا شركة في مفاخر العرب بما أثّله الخليل لهم، فزعموا أن للخليل ثلاثة أياد عند العرب كبار لم يسد مثلها إليهم عربي منهم: أحدها ما نهج لتلميذه سيبويه من التأتي لتأليف كتابه حتى علّمه كيف يفرّق جمهور النحو أبوابا، وتجنس الأبواب أجناسا، ثم تنوع الأجناس أنواعا حتى أخرجه معجز التأليف، فقيد به على العرب منطقهم حتى سلم أعقابهم للإعراب وتقويم اللسان من هجنة اللحن وخطأ القول.
الثانية: اختراعه لأشعارهم ميزانا حذاه على غير مثال، وهو العروض التي إليها مفزع من خذله الطبع، ولم يساعده الذوق من الشعراء ورواة الأشعار، فصار أثره لاختراع هذا العلم كأثر الفيلسوف أرسطا طاليس في شرح علم حدود المنطق.
الثالثة: ما منحهم في لغتهم من حصره إياها في الكتاب الذي سماه كتاب «العين» فبدأ فيه بسياقة مخارج الحروف، وأظهر فيه حكمة لم يقع مثلها للحكماء من اليونانيين. فلما فرغ من سرد مخارج الحروف عدل إلى إحصاء أبنية الأشخاص وأمثلة أحداث الأسماء، فزعم أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير ينساق إلى اثني عشر ألف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة آلاف وأربعمائة واثني عشر. الثنائي منها ينساق إلى سبعمائة وستة وخمسين، والثلاثي إلى تسعة عشر ألف وستمائة وستة وخمسين.
والرباعي إلى أربع مائة وواحد وتسعين ألفا وأربعمائة. والخماسي إلى أحد عشر ألف ألف وسبعمائة وثلاثة وتسعين ألفا وستمائة. قالوا: فقد شاركنا في فضيلة لغتها ومزية نحوها، وحلية عروض قريضها شرك العنان إذ كان الخليل مثيرها من مكمنها وهو منّا.
قال السيرافي: كان الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله.