للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الذي دوني فإن قال صنت عن ... إجابته نفسي وإن لام لائم

مولد الخليل سنة مائة، وتوفي سنة خمس وسبعين ومائة. قيل: أقام الخليل في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلسين وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال.

ولقد سمعه النضر بن شميل يقول: إني لأغلق عليّ بابي فما يجاوزه همي.

وقد روي في سبب وضع الخليل كتاب العروض ما ذكره عبد الله بن المعتز أن الخليل مرّ في سكّة القصّارين في البصرة فسمع دق الكوادين بأصوات مختلفة، فوقف يسمع اختلافه، ثم قال: والله لأصنعنّ على هذا المعنى علما غامضا، فوضع العروض.

وحدث النضر بن شميل قال [١] : كان أصحاب الشعر يمرون بالخليل فيتكلمون في النحو، فقال الخليل: لا بدّ لهم من أصل، فوضع العروض. وخلا في بيت، ووضع بين يديه طستا أو ما أشبه الطست، فجعل يقرعه بعود ويقول: فاعلن مستفعلن فعولن، قال: فسمعه أخوه، فخرج إلى المسجد، فقال إن أخي قد أصابه جنون، فأدخلهم عليه وهو يضرب الطست، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، ما لك؟ أصابك شيء؟ أتحب أن نعالجك؟ فقال: وما ذاك؟ قالوا: أخوك زعم أنك قد خولطت، فأنشأ يقول:

لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا

لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا

قال أبو محمد اليزيدي: قصدت الخليل في بعض الأيام، فلما دخلت عليه ألفيته جالسا على طنفسة صغيرة، فأوسع لي فكرهت التضييق عليه، فقال: لا يضيق سمّ الخياط مع متحابين، ولا تسع الدنيا متباغضين، وأنشد [٢] :

ما اتسعت أرض إذا كان من ... تبغض في شيء من الأرض

كتب سليمان بن حبيب إلى الخليل أن اكتب لي النحو في ثلاث كلمات ولا تزد عليها، فكتب إليه: الرفع موسوم بالوصف، والخفض مجرور الإضافة، وما لا سبيل إليه فهو نصب.


[١] نور القبس: ٥٨.
[٢] نور القبس: ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>