للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل [١] : وكان الخليل يحب أن يرى عبد الله بن المقفع، وكان عبد الله يحب ذلك، فجمعهما عبّاد بن عبّاد المهلبي فتحادثا ثلاثة أيام ولياليهن، ثم افترقا. فقيل للخليل: كيف رأيت ابن المقفع؟ فقال: ما رأيت مثله قط، وعلمه أكثر من عقله.

وقيل لابن المقفع: كيف رأيت الخليل؟ فقال: ما رأيت قط مثله، وعقله أكثر من علمه. وصدق في ذلك، أدى عقل الخليل إلى أن مات وهو أزهد الناس، وأدى جهل ابن المقفع إلى أن قتل على ما ذكرناه في بابه من هذا الكتاب.

وسئل الخليل [٢] ، فقيل له: ما الجود؟ قال: بذل الموجود. قيل: فما الزهد؟ قال: ألا تطلب المفقود حتى يفقد الموجود. وقال الخليل: الناس في سجن ما لم يتمازحوا، وأنشد لنفسه:

يكفيك من دهرك هذا القوت ... ما أكثر القوت لمن يموت

وكان يقول: إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات، ولم يقابل انقلب بالفارسية.

وكان [٣] الخليل صديقا لسليمان بن حبيب. وكثر الزوار عليه فتشاغل عنهم، فقدم الخليل بن أحمد فسألوه أن يذكره أمرهم فكتب إليه:

لا تقبلنّ الشعر ثم تعيده ... وتنام والشعراء غير نيام

واعلم بأنهم إذا لم ينصفوا ... حكموا لأنفسهم على الحكام

وجناية الجاني عليهم تنقضي ... وعقابهم يبقى على الأيام

وله، وقد رويت للأحنف بن قيس وقد لامه قومه على كثرة الحلم [٤] :

سألزم نفسي الصفح عن كلّ مجرم ... وإن كثرت منهم إليّ الجرائم

فما أنا إلا واحد من ثلاثة ... شريف ومشروف ومثل مقاوم

فأما الذي فوقي فأعرف قدره ... وأتبع فيه الحقّ والحقّ قائم

وأما الذي مثلي فإن زلّ أو هفا ... تفضلت إن الفضل للحر لازم [٥]


[١] قارن بنور القبس: ٥٧.
[٢] بعضه في نور القبس: ٦٣.
[٣] نور القبس: ٦٧.
[٤] نور القبس: ٥٦.
[٥] نور القبس: بالعز حاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>